في حدود النصف الأول
من العام 1756م حُرر تقرير هولندي يرجح أنه يعود إلى المقيم السياسي الهولندي في الخليج
(تيد وفون كنيبهازن) ، موجهاً إلى (جاكوب موسيل) الحاكم العام للهند الهولندية
ومدير شركة الهند الشرقية الهولندية. وهو تقرير طويل ومفصل وغني بالمعلومات
التاريخية والوصف الدقيق لسواحل الخليج وأهم الأحداث والوقائع التاريخية التي
جرت عليه ، ويصف بدقة سكان الخليج وطبائعهم وعاداتهم ومعتقداتهم وغير ذلك من
التفاصيل المهمة.
ويشير هذا التقرير
أثناء حديثه عن مدينة (بوشهر) إلى أن حاكمها الشيخ ناصر آل مذكور كان يطمح إلى
الاستيلاء على جزيرة البحرين –والتي كان تحت حكم آل حرم- وضمها لملكه ، واستطاع
إقناع عشيرة (العتوب) الساكنة بالقرين (الكويت حالياً) بمساعدته في هذا المشروع ، وذلك مقابل السماح لهم بالغوص في مغاصات اللؤلؤ دون دفع أي من الضرائب
المعتادة. وبعد عقد هذا التحالف توجه الشيخ ناصر المذكور لحصار البحرين ، إلا أنه
واجهة مصاعب عديدة بسبب تلقي (آل حرم) للدعم من قبل بعض زعماء الهولة بالمقاتلين
والرجال ، فمني بخسائر كبيرة وتعذر عليه تحقيق هدفه. فعمل عند ذلك على استمالة
زعيم (بندر طاهري) حليف (آل حرم) إلى جانبه وحظه على التخلي عن دعمه لـ(آل حرم)
وذلك مقابل التعهد له بدفع 14000 روبية من واردات البحرين سنوياً. وتحقق له ذلك ،
فأدرك (آل حرم) عندها ضعف موقفهم فاستسلموا وغادروا الجزيرة. ودخلت البحرين بذلك تحت
حكم الشيخ ناصر آل مذكور.
ويشير التقرير إلى أن
العتوب والهولة(1) بعد هذه الحادثة أصبحوا يغوصون في أرصفة اللؤلؤ في البحرين طوال
أربعة أشهر دون دفع أية ضرائب ، وكانوا ينزلون بشكل يومي إلى سواحل الجزيرة
ويعتدون على أهلها ويشنون الغارات والهجمات على القرى القريبة من الساحل فيقطعون
النخيل ويخربون المزارع ، فلا يتمكن أصحابها من جني محصولها وبالتالي لا يستطيعون
دفع الضرائب المفروضة عليهم ، فيضطرون إلى هجرة أراضيهم والهرب إلى المناطق
القريبة كالقطيف أو البصرة أو غيرها. والشيخ ناصر المذكور عاجز عن إيقاف هذه
الاعتداءات لأنها كانت تتم بمشاركة حلفائه العتوب والهولة ، ولم تكن عنده من القوة
ما يكفي لإخافتهم أو ردعهم(2).
ويجدر بالذكر أن بعض المصادر الأخرى قد أشارت إلى حادثة قريبة من الواردة في التقرير ، حيث يذكر (ب.ج.سلوت) في كتابه (عرب الخليج) أثناء ذكره لمدينة القطيف :
(وفي أوائل القرن السابع عشر قامت هجرة كبيرة من
البحرين إلى القطيف ، ويعطي كنيبهاوزن بعض التفاصيل عن المدينة الكبيرة المبنية
بالحجارة ، ويصف كيف أن تجار البحرين وهم أساساً من الشيعة قد تركوا الجزيرة خلال
الإضطرابات التي حصلت إلى القطيف)(2).
ولكن من المرجح أن الحادثة التي يتحدث عنها (سلوت) سابقة على الحادثة الواردة في التقرير الهولندي ، وحدثت لأسباب مختلفة ، وأظن أن هذه الحادثة هي التي يصفها التقرير الهولندي بـ(انحطاط البحرين).
وثيقة التقرير الهولندي :
نص الوثيقة :
(من ناحية أخرى ، يظل
غواصو اللؤلؤ من عشيرة العتوب والحولة أربعة أشهر يغوصون على مرأى من جزيرة
البحرين ، وينزلون يومياً إلى ساحلها ، ويقطعون أشجار نخيل التمر ، ويخربون
الحدائق القريبة من الشاطئ ، فلا يجني أصحابها شيئاً منها ، فلا يستطيعون دفع
ضرائبهم. بالتالي يهجرون أراضيهم ، يهربون إلى القطيف أو البصرة أو أي مكان آخر
بينهما. ولا يستطيع الشيخ ناصر المذكور إيقاف هذه الغارات ، التي يشترك ببعضها
حلفاؤه ، وببعضها الحولة الذين ينبغي عليه احترامهم. وليس لديه في البحرين قوة أو
سفينة تخيف هؤلاء القوم)(4).
...................................................
(الهوامش) :
(1) يجب
الإشارة إلى أن مصطلح (الهولة أو الحولة) الوارد في هذا التقرير يختلف عن المعنى
الشائع اليوم في البحرين والخليج والذي أتسع كثيراً ليشمل كثيراً من العجم السنة
أو غير العرب ، فمصطلح (الهولة) في الأساس كان يطلق على مجموعة محددة من العشائر
العربية التي تسكن الساحل الشرقي للخليج دون غيرها ، حيث يشمل كل من (القواسم ،
المرازيق ، آل علي ، بنو بشر ، بنو حماد ، بنو عبيدل ، آل حرم ، بنو مالك ، بنو
تميم ، والمنصوري) ، فهذه العشائر هي المقصودة بـ (الهولة) في هذا التقرير دون
غيرها ، وأما غيرهم من العشائر العربية المقيمة في الساحل الشرقي من الخليج –سوا
من ذكرنا- مثل آل مذكور أو العتوب أو غيرهم ، فلا يعتبرون من الهولة. راجع مقال (عرب الهولة بين أحلام
الجاهل وظلم المؤرخ) للدكتور جلال الهارون.
(2) راجع كتاب (سلطنة
هرمز العربية) تأليف إبراهيم الخوري وأحمد التدمري . الجزء الثاني ، صفحة 222.
(3) كتاب عرب الخليج -
ب.ج.سلوت ، صفحة 47.
(4) كتاب (سلطنة هرمز العربية) . الجزء الثاني ، صفحة 223.