هو
الشيخ محمد بن المبارك بن صالح بن محمد البحراني ، نزيل (بني جمرة) من قرى البحرين. فقيه وعالم فاضل ،كتب بخطه نسخة من
كتاب (مسالك الأفهام) في الفقه الإمامي للشهيد الثاني ، أتم كتابتها نهار يوم
الاثنين الحادي عشر من ذي الحجة سنة 991هـ.
وكتب على حواشي تلك النسخة
تصحيحات وتعليقات وشروح عديدة بخطه ، تدل على معرفته القوية بعلوم الفقه الحديث
واللغة. وله في بعض تلك التعليقات اعتراضات شديدة على المصنف ، وهو أمر غريب وفيه
جرأت كبيرة منه ، إذ أن المصنف وهو الشيخ زين الدين بن علي العاملي المعروف
بالشهيد الثاني يعد أحد أبرز فقهاء الشيعة على الإطلاق وممن انتهت إليهم رئاسة
الشيعة في زمنه وله عندهم من جلالة القدر وعظيم المنزلة ما هو معروف. وليس من
المتصور أن يعترض عالم صغير أو طالب علم مغمور على مثل الشهيد الثاني بهذه الاعتراضات
الشديدة التي قد يصل بعضها إلى حد التشنيع.وهو ما يدل على أن الشيخ محمد بن
المبارك –المُتَرجَم- كان من الفقهاء الكبار في وقته ، وله من الإحاطة بقواعد
الفقه وفروعه ما يؤهله لأن يناقش الشهيد في آرائه ويصحح له ويعترض عليه.
وعلى الرغم من ذلك فإن
الشيخ محمد بن المبارك يعد كحال كثير من أعلام البحرين من الشخصيات التي أهملها
المؤرخون والمترجمون فلم يصلنا الكثير عن حياته وآثاره ، إلا أن في تعليقاته
وتصحيحاته التي كتبها على نسخته من كتاب (مسالك الأفهام) ما يمكن أن يكشف لنا عن جانب
من مستواه العلمي وشخصيته وأسلوبه.
وهذه التعليقات غالباً
ما كان يبدؤها بعبارات مثل (قال محمد بن المبارك) أو (قال محمد كاتب هذه المسودة)
ونحوها ، الأمر الذي يسهل تمييز تعليقاته عن تعليقات غيره من متملكي النسخة. ويمكن
تقسيم هذه التعليقات إلى ثلاثة أقسام : تعليقات فقهية ، وتعليقات أو تصحيحات ترتبط
بالبيان والبلاغة ، وتعليقات حول علم الحديث والرجال ، إضافة إلى تعليقات أخرى
متفرقة. ونذكر هنا نماذج من هذه التعليقات ، نبدأها بنص المصنف أولاً ثم نتبعه
بالتعليق :
أولا- التعليقات
الفقهية :
1- النص :
(واعلم أن
تعبير المصنف بالرجلين والرجل والمرأتين والأربع نساء وقع على سبيل المثال. وليس
بجيد. ولو عبر بالأخوين أو الذكرين والأختين أو الأنثيين كان أجود، ليشمل الصغير
منهما والكبير، للإجماع على عدم اشتراط الرجولية وما في معناها).
التعليق :
(قال محمد بن المبارك
: ولعله عبر بذلك لأنه أصرح لتخرج الخنثى المشكل ، إذ قد تشملها الذكورة
والأنوثة).
2- النص :
(وقال المرتضى وتبعه جماعة منهم معين الدين المصري وابن إدريس
: أن أولاد الأولاد يقتسمون تقاسم الأولاد من غير اعتبار من تقربوا به ، حتى لو
خلف بنت ابن وابن بنت فللذكر الثلثان وللأنثى الثلث، ولو كان مع ابن البنت أحد
الأبوين أو هما فكما لو كانا مع الابن للصلب، ولو كانا مع بنت الابن فكما لو كانا
مع البنت).
التعليق :
(قال محمد : هذا غلط
فاحش لأن الأبوين لا يكونان للصلب وإنما هو مع الأبوين ابن الابن للصلب ، وفيه
أيضاً خلل بحسب آخر البحث).
3- النص :
(إحصان
المقذوف شرط في وجوب الحد على قاذفه، قال تعالى: (والذين يرمون المحصنات) الآية.
والمراد به هنا الجمع لأمور أربعة: التكليف، وهو يعتمد البلوغ والعقل، والحرية، والإسلام،
والعفة عن الزنا).
التعليق :
(قال محمد
كاتب هذه المسودة : هي خمسة ولكن الشارح جعلها أربعة ، كأنه جعل البلوغ والعقل
واحداً ، كقوله "من بلغ عاقلاً" إذ الغير رشيد بحكم الصبي).
4-النص :
(قوله صلى الله عليه وآله: ما عدل وال اتجر في رعيته أبدا.
ولأنه قد يحابى بسبب القضاء فيميل قلبه إلى من حاباه إذا وقعت بينه وبين غيره
حكومة. وربما خاف خصم من عامله من ميل القاضي عليه ، فيمتنع من رفعه. وسبيله فيما
يحتاج إليه من بيع وشراء أن يوكل من لا يعرف أنه وكيله لئلا يحابى وكيله أيضا
لأجله ، فإذا عرف شخص بوكالته أبدله بآخر ، فإن لم يجد من يوكله عقد بنفسه
للضرورة).
التعليق :
(قال محمد
كاتب هذه المسودة : على هذا التعليل إذاً ينبغي له أن يترك جميع المستحبات كإجابة
من دعاه إلى طعام من المؤمنين وغير ذلك ، بل يحتمل أن تكون الصلة غير ذلك ، وهو أن
لا يقبل شهادة من قد شهد له ، وهو (فطنة) تهمتة أن يقبله له ولا يقبل ولائمه).
5- النص :
(ويناسب حمل أدلة المنع على شهادته على مولاه مشابهته للولد في
عدم قبول شهادته على والده، لاشتراكهما في وجوب الطاعة وتحريم العصيان والعقوق.
وفيه نظر، لان حمل أخبار المنع على ذلك غير متعين، لما ذكرناه سابقا، ولما سيأتي
من الاخبار الدالة على المنع من شهادته على غيره من الاحرار، فيمكن حملها عليه.
وتشبيهه بالولد ممنوع).
التعليق :
(قال محمد
كاتب هذه المسودة : بل العلة في الولد حاصلة في العبد ، وهو الغضاضة بإقامة
الشهادة إذا بارزه بها تلقاء وجهه ، ويتطرق عليها ضرر عظيم...).
6- النص : (حول إقرار الزاني على نفسه بالزنا)
(ولو قال:
زنيت بفلانة، لم يثبت الزنا في طرفه، حتى يكرره أربعا. وهل يثبت القذف للمرأة؟ فيه
تردد. العقوبة بدون ما وقع الاتفاق عليه. ولان هذا الاختلاف مع ورود الواقعة كذلك
شبهة يدرأ بها الحد. وأطلق الاكثر...ثبوته بالاقرار أربعا، لأصالة عدم اشتراط
التعدد...والأقوى عدم الاشتراط، لعدم دليل يقتضيه).
التعليق :
(قال محمد
كاتب هذه المسودة : فعلى هذا الأختيار لو قال "أني زنيت زنيت زنيت زنيت"
ولاءً ثبت الحد ، وفيه ما فيه لكونه منافياً لتعريض الحاكم ، وكونه أيضاً مبنياً
على التخفيف).
ثانياً-التعليقات
المرتبطة بالبلاغة والبيان :
1- النص :
(وكذا لو خلف ابن أخيه لأبيه وأمه وابن أخيه لامه، أو خلف أخا
وأختا لأبويه مع جد أو جدة، المال بينهم أثلاثا، وسقط اعتبار نسب الأب. لها، وقد
تضمن إقراره شيئا على نفسه وشيئا لها، فيصح الأول دون الثاني).
التعليق :
(قال محمد كاتب هذه
المسودة : سبحان الله ما بين الفصيح والسخيف إلا ما بين الحاجب إلى العين ، لو قال
"شيئاً على نفسه وشيئاً على غيره" لكان انظم وأفصح وأشمل...).
2- النص :
(من شرط قبول الشهادة إسلام الشاهد، وهو بالنسبة إلى غير الذمي
موضع وفاق، وكذلك فيه في غير الوصية).
التعليق :
(قال محمد : لو قال "فيما عدا الوصية" لكان أحكم
وأكمل وأشمل وأضبط للقيد).
3-النص :
(هذا كله إذا لم يعينوا الزاني، ومع تعيينه
فالحكم فيه كالمرأة، لاشتراكهما في المقتضي).
التعليق :
(قال محمد
: قوله "هذا كله..الخ" ، ليس من الفصاحة ، لأنه لا يقال "هذا
كله" و"هذا إذا" وما أشبهه ، إلا إذا كان الحكم الآتي مخالفاً ،
وكان يكفي قوله (وحكا..) بها حكمها في وجوب الحد وعدمه).
4- النص :
(وجوب
الحد حيث يثبت موجبه فوري، ومن ثم لم تجز فيه الكفالة، لأدائها إلى تأخيره، وهو
غير جائز مع إمكان تعجيله. واحترز بالإمكان والأمن عن حد المريض والحبلى ونحوهما،
فإنه يؤخر إلى أن يبرأ حيث لا تقتضي المصلحة تعجيله محققا كما سبق).
التعليق :
(قال محمد
كاتب هذه المسودة : بين الفصيح والهجين أقرب من الحاجب إلى العين ، لو قال
"كالهارب ومثله فإنه يؤخر إلى حيث يتمكن منه" كان أشمل وليندرج فيه ما عداه).
5- النص :
(ولعل هذا
الاحتمال يندفع، بأنه لو كان واقعا، لدفع به عن نفسه. أما لو ادعاه، فلا حد).
التعليق :
(قال محمد : لو قال "إذ لو ادعاه...الخ" كان أسبك للعبارة ، وألطف للسمع).
ثالثاً-التعليقات
المرتبطة بعلم الحديث والرجال :
1- النص :
(وهذا كله
مبني على ثبوت الخبر الوارد بذلك، بل تواتره، لان غير المتواتر لا يوجب الحجة
عنده، ونحن ومن قبلنا لم يمكنا إثباته بسند معتمد، فضلا عن كونه متواترا. واعتذر
له في المختلف بجواز كونه متواترا في زمانه ثم انقطع. ولا يخفى ما فيه من التكلف
وظهور المنع).
التعليق :
(قال محمد
: نعم هو ظاهر التكلف ، لأن التواتر لا ينقطع حتى (القيمة) ومن ذلك سمي تواتر ،
كخبر شجاعة علي...).
2- النص :
(ورواية البزنطي
عن الباقر عليه السلام: "في رجل قتل رجلا عمدا ثم فر ولم يقدر عليه حتى مات،
قال: إن كان له مال أخذ منه وإلا أخذ من الأقرب فالأقرب").
التعليق :
(قال محمد : إن كان أحمد بن
محمد بن أبي نصر البزنطي ، فهو الراوي عن الرضا ، لا عن الباقر).
............................................
(الهوامش)
1-كتاب
مسالك الأفهام في شرح كتاب شرائع الإسلام للشهيد الثاني، هو شرح على كتاب شرائع الإسلام للمحقق الحلي. راجع الذريعة 6/199.
2- هو
الشيخ زين الدين بن علي بن أحمد بن محمد الجبعي العاملي الشامي ، الشهير بالشهيد
الثاني. من أبرز فقهاء الشيعة الإمامية في القرن العاشر الهجري وأحد من أنتهت
إليهم رئاسة الإمامية في زمنه. وله مصنفات عديدة في الفقه وغيره. قتل سنة 966 في
القسطنطينة لأجل تشيعة ولمقتله قصة مذكورة في المصادر. راجع أمل الآمل للحر
العاملي صفحة 90.
3-وصف
نفسه في آخر النسخة بقوله :
(وكتب هذه المسودة فرغاً أقل من أقتفى أثر الإسلام
بالدليل القطعي ، عبده الأصغر عملاً ، الأكبر جرماً وزللاً ، محمد بن المبارك بن
صالح بن محمد البحراني ، نزيل بني جمرة. نهار اليوم المذكور في كلام المصنف عصره
حادي عشر أوسط أشهر الحج لسنة إحدى وتسعين وتسعماية ، غفر الله له ولوالديه
وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات إنه قدير غفور ، آمين آمين آمين).