الخميس، 23 فبراير 2012

الشيخ محمد بن يوسف بن كنبار الضبيري البحراني (ت1130هـ/1718م)


الشيخ محمد بن يوسف بن علي بن كنبار الضبيري النعيمي أصلاً -نسبة للنعيم من قرى البحرين- البلادي مولداً ومنشئاً ومسكناً البحراني . فقيه وأديب وشاعر بحراني ، موصوف بالصلاح وحسن الخلق وكثرة العبادة والتهجد وشدة الإنكار للمنكر.


نشأته وحياته :

ولد ونشئ بقرية (البلاد القديم) والتي كانت حاضرة البحرين في ذلك العصر ومسكن العلماء والأعيان ، وبها أخذ عن الشيخ محمد بن ماجد بن مسعود الماحوزي شيخ الإسلام في البلاد في زمنه وقرأ عليه أكثر العلوم والفنون وبقي ملازماً لدرسه حتى توفي سنة 1105هـ ، ثم لازم بعده درس الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي حتى توفي في سنة 1121هـ ، وكان شديد الإشتغال بالدرس لا يكل عنه قائماً بإمامة الجماعة في القرية المذكورة كما يظهر من كلام معاصره وتلميذه الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي (1).
ثم إنه بعد ذلك غادر إلى القطيف وسكن بها مدة من الزمن (2) ، ولا نعلم تاريخ خروجه من البحرين أو سببه ، ولكن على الأرجح أن ذلك حصل بعد هجوم العمانيين الخوارج على البحرين وإستيلائهم عليها سنة 1129هـ وما تبع ذلك من الدمار والخراب وإستحرار القتل في أهل البحرين مما حدى بكثير منهم إلى الخروج منها واللجوء إلى ما جاورها من البلاد (3).
وبقي الشيخ محمد في القطيف مدة من الزمن ، ولكنه بسبب ضيق العيش عاد مرة أخرى إلى البحرين ، فصادف رجوعه وقوع فتنة بين الخوارج وعسكر العجم أصيب فيها بجروح فاحشة فنقل إلى القطيف وبقي فيها أيام ثم توفي رحمه الله شهيداً في سنة 1130هـ (4).

أقوال العلماء :

قال الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي (1135هـ) في إجازته الكبرى :
(أخي المواخي بالدين يوم الغدير في المسجد الحرام (شرفه الله تعالى) الشيخ محمد بن يوسف بن علي بن كنبار الضبيري النعيمي أصلا البلادي مسكنا ومولدأ ومنشئا وقت قراءته على الشيخ في نكاح التهذيب، وهذا الشيخ فقيه فاضل وعالم عامل إمام للجماعة معتبر صالح ساع في حوائج إخوانه شديد الانكار على الفاسقين وقد خدم كثيرا في العلوم وقرأ أكثر الفنون وتلمذ على الشيخ الفقيه الشيخ محمد بن ماجد بن مسعود حتى مات، ثم لازم شيخنا حتى مات، وله ديوان شعر في مراثي الحسين (ع) وله مقتل الحسين (ع) وشعره نفيس وهو مشغول بالدرس لا يكل منه كثير العبادة ملازم الدعاء لا يمل منه ولا يفارق (مصباح المتهجد) أبدا أدام الله سلامته وأقام كرامته) (5).

وقال الشيخ يوسف بن أحمد بن عصفور البحراني (ت1186هـ) في لؤلؤة البحرين :
(الشيخ محمد بن يوسف بن كنبار الضبيري النعيمي أصلاً البلادي مسكناً ومنشأ، عن الشيخ محمد بن ماجد والشيخ سليمان بن عبدالله بطرقهما المتقدمة. وكان هذا الشيخ فقيهاً عابداً صالحاً ملازماً لمصباح الشيخ رحمه الله - والعمل بما فيه ، وله ديوان شعر حسن في مراثي أهل البيت عليهم السلام ، وله مقتل الحسين عليه السلام ، وشعره بليغ نفيس ، توفي في بلدة القطيف ، فانّه بعد أن كان فيها مضى الى البحرين - وهي في أيدي الخوارج - لضيق المعيشة في بلدة القطيف فاتفق وقوع فتنة بين الخوارج وعسكر العجم وقتل جميع عسكر العجم وجرح هذا الشيخ جروحاً فاحشة ونقل الى القطيف فبقي أياماً قليلة وتوفي الى رحمة الله تعالى ، ودفن في مقبرة الحباكة وذلك في شهر ذي القعدة سنة الثلاثين بعد المائة والألف) (6).

شيوخه :
1-الشيخ محمد بن ماجد بن مسعود الماحوزي البحراني.
2-الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني.
3-العلامة محمد باقر بن محمد تقي المجلسي. (7)
4-السيد المحدث نعمة الله بن عبد الله الجزائري.

تلاميذه :
1-الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي البحراني.
2-الشيخ ناصر بن محمد الجارودي القطيفي. (8)

شعره :

فمنه ، قوله :
قف بالديار التي كانت معاهدها ... على الهدى والندى قامت قواعدها
ولم تزل بالتقى والعدل باسمة ... تبدو إذا ابتسمت بشرا نواجدها
وانظر مهابط وحي اللّه كيف غدت ... تبكي بكاء الذي قد غاب واحدها
وانظر إلى حجرات الوحي كيف خلت ... و غاب صادرها عنها وواردها
والحظ معادن وحي اللّه مقفرة ... من بعدما أزعجت عنها أماجدها
واجزع لها بعد ذاك البشر عابسة ... إذ غاب عابدها عنها وعايدها
واخشع لها بعد ذاك العز خاشعة ... يطير ظالمها بشرا و حاسدها
واسكب على الطلل البالي الذي عصفت ... بربعه زعزع و الكفر قايدها
واسكب دموعك للسادات من مضر ... وفتية قط لا تحصى محامدها
وخيرة في العلى عنها الوجود نشا ... شالت رؤوسهم ظلما مصاعدها
ودوحة نال منها من تفيّأها ... فعلا شنيعا يذيب القلب واحدها
يا للرجال ويا للّه من شطط ... أتاحه عصبة ضلّت مقاصدها
لا أمطر اللّه سحب المزن ان هطلت ... وآل أحمد قد سدّت مواردها
لا أمطر اللّه سحب المزن إذ قتلت ... صبرا وما بلّ منها الغلّ باردها
لا أضحك اللّه سن الدهر ان ضحكت ... وآل أحمد قد أعفت معاهدها
تخالهم كالأضاحي في مجازرها ... قد عمّ كل الورى نورا مراقدها
معفرين وجوها طالما سجدت ... لربها ولكم نارت مساجدها
يا حجة اللّه يابن العسكري ترى ... ما نحن فيه مرارات نكابدها
خلّص مواليك يابن المصطفى فلقد ... ضاق الخناق و خانتها مقاصدها
إلى متى يا غياث المسلمين ويا ... غوث الانام فأنت اليوم واحدها
سل ربك الاذن في إنجاز موعده ... فأنت يابن أباة الضيم واجدها
لا زال تسليم من عمّت مواهبه ... يغشاك ما خرّ للرحمن ساجدها
يا سادة الكون يا من حبهم عملي ... وليس لي غيره حسنى أشاهدها
انا العبيد الفقير اليوسفي لكم ... حرب لأعدائكم حرب معاندها(9)


ومنه أيضاً :
سرى وفد شوقي والانام رقود ... يسحّ دموعا ما لهنّ جمود
فعرّس مذعور الجنان بكربلا ... فنازله كرب هناك جهيد
وقد شفّه وفد مقيم بأرضها ... ملابسهم بين الملائك سود
ملائكة تقديسهم و ثناؤهم ... وتسبيحهم ندب عليه مديد
وتمجيدهم ندب الحسين ورهطه ... غداة أصيبوا بالظما و أبيدوا
مقيمون حول القبر يبكون رزءه ... وليس لهم نحو السماء صعود
فيا غفلة عن نكبة عمّ غمّها ... وحادثة منها الجبال تميد
أيرشفه المختار سنا ومبسما ... ويقرعه بالخيزران يزيد
أيترك ملقى بالعرى سيد الورى ... ويكسوه من مور الرياح صعيد
حنيني على تلك الجسوم بكربلا ... لقى بالعرا ما ضمهنّ لحود
حنيني على تلك السبايا و لوعتي ... ووجدي جديد ما عليه مزيد
حنيني عليها يوم أمست أسيرة ... وأكتافها بالاصبحية سود
وهيج أحزاني و حرّمني الكرى ... مقالة أخت السبط وهو يجود
ألا بأبي من لا بعيد فيرتجى ... فيمسي كمن قد غاب ثم يعود
ألا بأبي من لا جريح فيؤتسى ... فتذهب آلام به و تبيد
ويقول في آخرها :
فيا آل ياسين و يا راية الهدى ... مصابكم طول الزمان جديد
ولم يبل إلا أن ينادى من السما ... بمهديكم إذ تقتفيه جنود
فتصبح أعلام النبي خوافقا ... وسابقة والمشرفي يعود
هنالك تسلو أنفس طال حزنها ... ويهني العبيد اليوسفي هجود
فدونكم منه الذي يستطيعه ... قصائد ما خابت لهن قصود(10)

مصنفاته :
1-كتاب مقتل أمير المؤمنين عليه السلام. (11)
2-كتاب مقتل الحسين عليه السلام. (12)
3-ديوان شعر في مراثي أهل البيت عليهم السلام ، قال الشيخ يوسف : (شعره بليغ نفيس) (13).

وفاته :
كان سبب وفاته أنه بعد ان كان قد انتقل إلى القطيف وسكن به مدة من الزمن عزم على الرجوع إلى البحرين لضيق العيش في البلدة المذكورة وكانت البحرين في ذلك الوقت في ايدي العمانيين الخوارج فاتفق مع رجوعه إليها وقوع فتنة بين عسكر الخوارج وعسكر العجم أصيب هذا الشيخ فيها بجروح فاحشة ونقل إلى القطيف فبقي أياماً ثم توفي شهيداً وكان ذلك في شهر ذي القعدة سنة 1130هـ ، ودفن بمقبرة الحباكة بالقطيف(14).


(الهامش)
(1) أنوار البدرين للشيخ علي بن الحسن البلادي ، صفحة 180.
(2) لؤلؤة البحرين للشيخ يوسف البحراني ، صفحة 106.
(3) لؤلؤة البحرين ، صفحة 426.
(4) المصدر السابق ، صفحة 106.
(5) أنوار البدرين ، صفحة 180.
(6) المصدر السابق ، صفحة 105.
(7) وفي بعض المصادر يروي عنه بواسطة شيخه محمد بن ماجد الماحوزي.
(8) راجع ذكر شيوخه وتلاميذه في لؤلؤة البحرين وأنوار البدرين والإجازة الكبرى للشيخ السماهيجي وغيرها.
(9) أدب الطف للسيد جواد شبر 5/204.
(10)أدب الطف 5/207.
(11) كشف الحجب ، صفحة 544.
(12) ذكره الشيخ يوسف في لؤلؤة البحرين صفحة 105 ، والبلادي في أنوار البدرين ، وفي الذريعة 22/28.
(13) ذكره الشيخ يوسف في لؤلؤة البحرين صفحة 105 ، الذريعة 9/28.
(14) لؤلؤة البحرين صفحة 105 ، أنوار البدرين صفحة 108.





الاثنين، 13 فبراير 2012

الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني (1075هـ -1121هـ)

الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي
المعروف بالمحقق البحراني
(1075هـ -1664م / 1121هـ -1709م)

هو الشيخ شمس الدين أبو الحسن سليمان بن عبد الله بن علي بن الحسن بن أحمد بن يوسف بن عمّار الستري أصلاً الماحوزي مولداً ومسكناً البحراني (1) ، عالم وفقيه ومتكلم وأديب وشاعر يعد من أبرز علماء الإمامية في عصره .
كان أصله من قرية الخارجية إحدى قرى جزيرة سترة بالبحرين ، أما مولده فكان في ليلة النصف من شهر رمضان سنة خمس وسبعين بعد الألف للهجرة بقرية الدونج إحدى قرى الماحوز بالبحرين وبها كان منشأه ومسكنه وفيها بدء بتلقي مبادئ علومه فحفظ القرآن وله سبع سنين وأشهر ، وشرع في كسب العلوم وله عشر سنين.(2)
أخذ العلم عن جملة من أكابر علماء البحرين في زمنه كالشيخ الفقيه سليمان بن علي بن أبي ظبية البحراني ودرس على يده الفقه والحديث وغيرها من العلوم ، وكان شديد الملازمة له دون سائر العلماء حتى لامه البعض على ذلك ، فقال رداً عليهم :
عنفوني لما لزمت سليمان ... وجانبت جملة العلماء
فتمثلت في الجواب ببيت ... قاله مغلق من الشعراء
ينزل الطير حيث يلتقط الحب ... ويأتي منازل الكرماء(3)
وأخذ عن الشيخ محمد بن ماجد بن مسعود الماحوزي البحراني والذي كان رئيس البلاد في زمنه والقائم بالأمور الحسبية وإمامة الجمعة والجماعة وكان الشيخ سليمان صهره على ابنته ، وعن الشيخ الفقيه أحمد بن محمد بن يوسف الخطي والسيد الجليل هاشم بن سليمان التوبلي البحراني وغيرهم من أئمة علماء عصره ، وظل مشتغلاً بالأخذ والتحصيل حتى برع في مختلف أنواع العلوم كالفقه والحديث والرجال والتواريخ والنحو والأدب وعلوم الحكمة والفلسفة وغيرها ، فعظم شأنه وصار مبرزاً بين اقرانه وأقر له جميع العلماء بالعلم والفضل(4) ، وكان أستاذه السيد هاشم بن سليمان البحراني -والذي تولى رئاسة البلاد بعد الشيخ محمد بن ماجد المذكور- يتنبأ له بشأن كبير وكان يهيئه ليخلفه في رئاسة البلاد من بعده ، وقد أشار الشيخ سليمان إلى ذلك في بعض فوائده حيث قال :
(دخلت على شيخنا العلامة السيد هاشم التوبلي زائرا مع والدي (قدس سره) فلما قمنا معه لنودعه وصافحته لزم يدي وعصرها وقال لي لا تفتر عن الاشتغال فإن هذه البلاد عن قريب ستحتاج إليك).(5)
ولما توفي السيد هاشم البحراني سنة 1107 صارت رئاسة البلاد من بعده إلى الشيخ سليمان فانتقل إلى قرية (البلاد القديم) ، وكان من عادة أهل البحرين إذا انتهت الرئاسة إلى أحد العلماء من خارج هذه القرية أن ينقلوه إليها لأنها كانت حاضرة البحرين ومنزل الملوك والأعيان والتجار والعلماء وذوي الشأن ، فتولى بها القضاء والقيام بالأمور الحسبية ، واشتغل بالتدريس فكانت العلماء تأتيه من مختلف أنحاء البلاد لملازمته وحضور درسه ، وتخرج على يده خلق كثير من الأفاضل والعلماء من العرب والعجم كان من أبرزهم الشيخ الجليل أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن عصفور الدرازي البحراني والشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي والشيخ الحسين بن محمد بن جعفر الماحوزي.(6)
وكان للشيخ الماحوزي عدة زيارات إلى بلاد العجم مثل مدينة اصفهان إحدى أهم مراكز العلم عند الشيعة آنذاك وبندر كنك وغيرها من نواحي بلاد فارس وفيها ألف بعض مصنفاته وجرت له بها مناظرات ومباحثات مع بعض علماء العامة ، وفي اصفهان التقى بالعلامة محمد باقر المجلسي شيخ الشيعة وصاحب كتاب بحار الأنوار فأخذ عنه واستجاز منه فأجازه.(7)
وكان الشيخ الماحوزي على الرغم من قصر عمره مكثراً في التصنيف والتأليف فقد ترك ورائه ما يزيد على 120 مصنفاً بين كتاب ورسالة في مختلف العلوم والفنون.

مناظرته مع بعض علماء السنة في فضل البحرين :

ومن الحوادث الطريفة التي جرت مع الشيخ سليمان الماحوزي ما ذكره في بعض كتبه عن مناظرة جرت بينه وبين أحد علماء السنة في إحدى زياراته إلى بلاد فارس حول فضل بلاد البحرين ، حيث قال :
كنت في حدود السنة الحادية عشرة بعد المائة والألف من الهجرة النبوية في بعض بنادر فارس ، وكان فيه رجل من علماء أهل (تقه) من بلاد السند ، حنفي المذهب متعصّب في مذهبه قد قرأ كثيراً من العلم ، ورد هناك بعنوان التجارة فاتّفق لي الإجتماع به في عدة مجالس ، وكان من جملة ما صدر بيني وبينه أنه بعد ما فاوضني في مسائل متعددة فينجرّ فيه النزاع بيننا وبينهم فصّلناها في رسالة منفردة.
قال لي : أنت أخلاقك غير أخلاق أهل البحرين ، وطباعك غير طباعهم ، وما فيك من المعايب إلاّ انك بحراني ، واخذ يذم البحرين وأهلها بما لا يجوز ذكره ، فقلت له : البلاد يكون فيها الكامل والناقص والخير والشرّير ، والمؤمن والكافر والعالم والجاهل ، فاطلاق القول بذمّ البلاد لا يحسن من أهل العقل والسداد ، وبعد هذا فالبحرين من الأمصار الجليلة المحمودة ، ولها ذكر حَسن في كتب حديثكم دون (تقه) ، فإنها لم يجر لها ذكر في حديث ولا سنّة، وطباع أهلها معروفة بالعصبية والعناد.
فقال لي بعجلة : في أيّ كتب حديثنا ذُكر البحرين؟
فقلت : في كتاب مشكاة المصابيح تصنيف محي السنّة الحسين بن مسعود الفراء البغوي ، فإنه روي في باب حرم المدينة ـ حرسها الله ـ عن حريز بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن الله اوحي إليّ ، أيّ هولاء الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك المدينة أو البحرين أو قنسرين ، فقد عدل الله البحرين بالمدينة وخيره في الهجرة إليها ، ولم يذكر (تقه) مجال . فانكر كون الخبر المذكور في شيء من كتب حديثهم فضلاً عن كونه في مشكاة المصابيح ، وأدعي أنه قرأ الكتاب المذكور في بلاده علي مشايخه ـ وكان الكتاب المذكور بصحبتي ـ فقلت له : الكتاب موجود معنا بنسخة صحيحة معتمدة ، وقد كنت اشتريتها من دار السلطنة إصفهان المحروسة في جملة الكتب التي اشتريتها من هناك ، ثم احضرت الكتاب ، فلمّا رآه وجم واُقحم كأنما القمته حجراً، وأخذ يتعجب مما رزقنا الله سبحانه من الحفظ وكثرة التتبع ، وأعرض عما كان فيه.(8)

أقوال العلماء :

شاع ذكر الشيخ سليمان الماحوزي بين كثير علماء عصره وترجم له أغلب العلماء الذين جاءوا من بعده وبالغوا في تعظيمه ومدحه والثناء عليه ووصفوه بأجل الأوصاف ، نذكر هنا جانباً منها :

قال تلميذه الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عصفور الدرازي البحراني (ت1131هـ) في مقدمة شرح الرسالة الحمدية ، يصف استاذه الشيخ سليمان الماحوزي بأسلوب السجع الشائع في ذلك العصر :
(الشيخ المنيف ، وعضد الدين الحنيف ، مالك ازمّة التأليف والتصنيف . الذي شاد مدارس العلوم بعد دروسها ، وسقى بصبيب فضله حدائق غروسها . والبحر الذي لا تجد ليمته ساحل ، وكعبة الآداب التي تطوى لها المراحل . ومنبع العلم الذي يفيد ويفيض ، وجم الفضل الذي لا ينضب ولا يغيض . شيخي واستاذي الذي وهبني من فضله ما لا يضيع ، وحنى علي حنوّ (الطير) على الرضيع . وفرش لي حجر علومه ، والقمني ثدي معلومه . حتى شحذ من طبعي مرهفا ، وبرى من (نبعي مشقفا) . فلو رمت القيام باداء شكره ، لاستهدفت لملام التقصير ونكره . الشيخ الفاضل الكامل ، والعالم العامل . شيخنا الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني ، متع الله المسلمين بفيوض علومه ، وجلى بمرهف فكره سحايب ظلمات الجهل وغيومه . وادام على صفحات الأيام بهاء طلته الغراء ، ونصب اعاديه في مقام الذم والاغراء . ولا زال محموداً على مزاياه الفاضلة مشكورا ، ولا برح ممدود الثناء عليه مقصورا...).(9)

وقال تلميذه الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي (ت 1135هـ) :
(كان هذا الشيخ اعجوبة في الحفظ والدقة وسرعة الانتقال في الجواب والمناظرات وطلاقة اللسان لم ارَ مثله قط ، وكان ثقة في النقل، ضابطاً، إماماً في عصره ، وحيداً في دهره ، أذعنت له جميع العلماء ، وأقر بفضله جميع الحكماء ، وكان جامعاً لجميع العلوم، علامة في جميع الفنون ، حسن التقرير عجيب التحرير، خطيباً ، شاعراً ، مفوّهاً ، وكان أيضاً في غاية الإنصاف ، وكان أعظم علومه الحديث والرجال والتواريخ ، منه أخذت الحديث ، وتلمذت عليه ، وربّاني وقرّبني وآواني ، واختصني من بين اقراني ، جزاه الله عني خير الجزاء ، بحق محمد وآله الأزكياء ، وتوفي قدس سره - وعمره يقرب من خمسين سنة - في سابع عشر شهر رجب للسنة الحادية والعشرين بعد المائة والألف ، ودفن في مقبرة الشيخ ميثم بن المعلّى - جد الشيخ ميثم العلامة المشهور - بقرية (الدونج) - بالنون والجيم - من قرى الماحوز - بالحاء والزاي - ، نقل من بيت سكناه من بلاد القديم اليها لكونه منها).(10)

وقال الشيخ الحسن بن محمد بن علي بن ضيف الدمستاني البحراني (ت1181هـ) في بعض إجازاته :
(شيخ الكل في الكل ، الخافضة لديه الحكماء جناح الذل . حديد الفكرة لكنّه للعلوم مغناطيس ، صافي الحكمة فمن أفلاطون و ذيمقراطيس . وحيد دهره في العلم والعمل ، ونسيج وحده في البحث والجدل . فمن ادعى مشاركته في تلك الصفة فما أنصفه ، ومن اعتنى بما حققه من المعقول ورصّفه علم أنّ الفلسفة عين السَفَه . ورأى أنّ في الشفاء مرضا ، وأنّه هو الجوهر الفرد وغيره عرضا .أُغلوطة الزمان ونادرة الدوران الشيخ سليمان بن الشيخ عبد اللّه الماحوزي طهّر اللّه تعالى رمسه وقدّس نفسه ، وممّا أنشده لنفسه من مقطوعة له في الفخر وأصدق بما قال  :
ولو حلج الحلاج عندي مباحث الـوجود لذاق الرشد بعد عمائه
ولوحضرالشيخ الرئيس بمجلسي ... لأقلع عمّا قاله في شفائه
خفافيش هذا العصر كفّا عن العلا ... فقد أشرقت فيكم شموس سمائه
).(11)

وقال الشيخ يوسف بن أحمد بن عصفور البحراني (ت1186هـ) في لؤلؤة البحرين :
(الشيخ سليمان بن الشيخ عبدالله بن علي بن حسن بن أحمد بن يوسف ابن عمّار البحراني الستراوي اصلاً - من قرية الخارجية إحدى قرى سترة ، الماحوزي مولداً ومسكناً - نسبة الى الماحوز المتقدم ذكرها - من قرى الدونج كتلميذه المقدّم ذكره ، ثم انّه سكن بعد ذلك بلاد القديم ، وبها توفي ، وهذا الشيخ قد انتهت اليه رئاسة بلاد البحرين في وقته...).
إلى أن قال :
(ووجدت بخطه - قدس سره - نقلاً عن والده، قال: «كان مولدي في ليلة النصف من شهر رمضان من السنة الخامسة والسبعين بعد الألف، بطالع عطارد ، وحفظت الكتاب الكريم ولي سبع سنين تقريباً وأشهر وشرعت في كسب العلوم وليّ عشر سنين ، ولم أزل مشتغلاً بالتحصيل الى هذا الآن وهو العام التاسع والتسعون والألف» انتهى.
(أقول) وبالنظر الى تاريخ الوفاة المتقدم ذكره يكون عمره - قدس سره - أربعاً وأربعين سنة وعشرة اشهر تقريباً، فقول تلميذه المحدث الصالح المتقدم ذكره: «إنه يقرب من خمسين سنة» سهو ناشئ من عدم الاطلاع على تاريخ مولده، وكان شيخنا المذكور شاعراً مجيداً، وله شعر كثير متفرق في ظهور كتبه وفي المجاميع، وكتابه (أزهار الرياض) ومراثي على الحسين عليه السلام جيّدة، ولقد هممت في صغر سني بجمع أشعاره وترتيبها على حروف المعجم في ديوان مستقل وكتبت كثيراً منها إلا أنه حالت الأقضية والأقدار بخراب بلادنا البحرين بمجيء الخوارج اليها وترددهم مراراً عليها حتى افتتحوها قهراً، وجرى ما جرى من الفساد، وتفرّق أهلها منها في أقطار كل بلاد، وقد تلمذ على هذا الشيخ جملة من العلماء ، أشهرهم والدي - قدس الله روحه، ونوّر ضريحه - والشيخ المحدث الصالح الشيخ عبدالله ابن الحاج صالح المتقدم ذكره، وشيخنا الشيخ حسين المتقدم، والأوحد الأمجد الأوّاه الشيخ أحمد ابن الشيخ عبدالله بن حسن البلادي.....وقد رأيت الشيخ المذكور وأنا يومئذ ابن عشر سنين أو أقل، وقد كان والدي نزل في قرية البلاد بتكليف والده لملازمة التحصيل عند الشيخ المذكور، وكان يدرّس يوم الجمعة في المسجد بعد الصلاة في الصحيفة الكاملة السجادية، وحلقته مملوءة من الفضلاء المشار اليهم، وغيرهم، وفي سائر الأيام في بيته، وكنت في تلك الأيام أقرأ في كتاب قطر الندى عند الشيخ أحمد ابن الشيخ عبدالله المتقدم بتكليف والدي - رحمه الله - وله قدس سره جملة من المصنفات إلا أن أكثرها رسائل، منها ما تمّ ومنها ما لم يتم.....وبالجملة فهذا الشيخ من نوادر الزمان وأغلوطة الدهر الخوان وفوائده وآثاره وكثرة تلامذته واشتهاره مع قصر عمره يدل على فضل عظيم وفخر جسيم وقد اجتمع مع المولى المجلسي وأعجب به وأجازه وأرخ وفاته بعض فضلاء عصره بقوله كورت شمس الدين)انتهى النقل من اللؤلؤة بإختصار.(12)

وقال السيد عبد الله بن نور الدين الجزائري في إجازته الكبرى صفحة 207 عند ذكر مشايخ الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي :
(يروي عن جماعة كثيرة من فضلاء البحرين وغيرهم أعظمهم شانا الشيخ سليمان بن عبد الله وقد اثنى عليه في مصنفاته وإجازاته ثناء بليغا ووصفه بغاية الوصف والحفظ والذكاء وحسن التقرير ، سمعت والدي رحمه الله يصفه بمثل ذلك أيضا في أيام حياته ويقول ليس في بلاد العرب والعجم أفضل منه وسئل يوما أيهما أفضل الشريف أبو الحسن العاملي أو الشيخ سليمان فقال : إما الشريف أبو الحسن فقد مارسته كثيرا في أصبهان وفي المشهد وفي بلادنا لما قدم إلينا وأقام عندنا مدة مديدة فرأيته في غاية الفضل والإحاطة وسعة النظر واما الشيخ سليمان فلم أره ولكن الذي بلغني عن حاله بالاستفاضة والتسامح انه أشد ذكاء وأدق نظرا وأكثر استحضارا لمدارك الاحكام الفقهية وأسرع جوابا في المعضلات مع غاية الرزانة والتحقيق ، ولما بلغه وفاته تألم كثيرا وقال : ثلم في الدين ثلمة لا يسدها شئ إلى يوم القيامة...).(13)

وقال الشيخ محمد باقر الأصفهاني المعروف بالوحيد البهبهاني (ت1205هـ) في فوائده صفحة 65 :
(ومرادي من المحقق البحراني هو الفاضل الكامل المحقق المدقق الفقيه النبيه نادرة العصر والزمان ، المحقق الشيخ سليمان ، ومرادي من (البلغة) مختصر هذا الفاضل في الرجال ومن (المعراج) شرحه على الفهرست ولم يشرح منه إلا قليلا منه على ما وجد...).(14)

وقال الشيخ البلادي في أنوار البدرين :
(علامة العلماء الأعلام وحجة الإسلام وشيخ المشائخ الكرام أولي النقض والإبرام المحقق المدقق العلامة الثاني أبو الحسن شمس الدين الشيخ سليمان ابن الشيخ عبد الله بن علي بن الحسن بن أحمد بن يوسف بن عمار البحراني الستري الماحوزي، أصله من ستره من قرية الخارجية، ومولده الماحوز، ثم إنه سكن البلاد القديم وبها توفي وكان الأكثر إذا انتهت الرياسة لأحد من العلماء من غير أهل البلاد القديم ينقله أهل البلاد إليها لأنها في ذلك الزمان هي عمدة البحرين ومسكن الملوك والتجار والعلماء وذوي الأقدار ، وهي بلادنا ومسكن آبائنا وموضع أملاكنا إلا أنها الآن كما قاله الأديب المهذب الشيخ علي بن مقرب الأحسائي (ره) :
طم البلاء على البلاد فكلها ... بحر من الشر المبرح مفعم
ما أن مررت بوهدة أو تلعة ... إلا وفيها للحوادث صيلم
فكأنه عناها وإن كان مراده العموم لكل بلاد في زمانه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحديث ذو شجون وإنا لله وإنا إليه راجعون).(15)
    
                                              
شيوخه :
1-الشيخ سليمان بن علي بن سليمان بن أبي ظبية البحراني.
2-الشيخ أحمد بن محمد بن يوسف الخطي المقابي البحراني.
3-الشيخ محمد بن ماجد بن مسعود الماحوزي البحراني.
4-السيد الجليل هاشم بن سليمان بن إسماعيل التوبلي البحراني.
5- العلامة محمد باقر بن محمد تقي المجلسي.
6- الشيخ محمد بن أحمد بن ناصر الحجري البحراني.
7- الشيخ صالح بن عبد الكريم الكرزكاني البحراني.
8-الشيخ جعفر بن علي بن سليمان القدمي البحراني.(17)

تلاميذه :
1-الشيخ عبد الله بن صالح بن جمعة بن علي السماهيجي البحراني.
2-السيد علي بن إبراهيم بن علي بن أبي شبانه البحراني.
3-الشيخ عبد الله بن الفرج بن عبد الله بن عمران القطيفي.
4-الشيخ على بن عبد الله بن عبد الصمد الإصبعي البحراني.
5-الشيخ أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صالح بن عصفور الدرازي البحراني.
6-الشيخ أحمد بن عبد الله بن حسن بن جمال البلادي البحراني.
7- المير محمد حسين بن محمد صالح الحسيني الأصبهاني.
8- الشيخ محمد رفيع البيرمي اللامي.
9-الشيخ الحسين بن محمد بن جعفر الماحوزي البحراني.
10-الشيخ عبد الله بن علي بن أحمد البلادي البحراني ، المعروف بأبي الجلابيب.
11-الشيخ محمد بن يوسف بن علي بن كنبار الضبيري النعيمي البحراني.
وغيرهم خلق كثير.(18)

شعره :

كان الشيخ سليمان الماحوزي شاعراً بارعاً يتسم شعره بالجزالة ومع ذلك فهو عذب سلس ، كما يدل شعره على شدة إحاطته باللغة العربية وإلمامه الواسعة بمعاني مفرداتها .
ويظهر ذلك جلياً من قصيدته (الخالية) والتي التزم في قافيتها لفظ (الخال) والذي يعني به في كل مرة معنىً مختلفاً ، ولعله أول من فتح الباب لمثل هذا النمط من النظم ولم يسبقه إليه إلا أبو حيان الغرناطي الأندلسي بمحاولة متواضعة لم تزد عن أربعة أبيات ولم يلتزم في قافيتها بلفظ (الخال) ، فيمكننا القول أن شيخنا هو صاحب الريادة في هذا النمط من النظم ، وهذه هي القصيدة :

علام سقى خدّيك من جفنك الخال؟ ... أمن ربوات الدو لاح لك الخال؟
وأسهر منك الطرف إيماض مبسم ... من الدورق النوري أم أومض الخال؟
ونشر الخزامى نبه الوجد منك أم ... من السكر قد فاح البنفسج والخال؟
سقى الأرض أرض الجفرة الوبل واكفاً ... وصافح منثورا بربوتها الخال
فيا راكبا حرفا إذا وخد السرى ... تفسكل عن مضمارها الطرف والخال
تنشر طي الأرض منها بأربع ... وتطوي برود البيد إن أرقل الخال
براها السرى حتى استلان قيادها ... وما عاقها عنه لحاق ولا خال
لك الخير يممها المسارح إن بدا ... لعينيك منها معذر الطرق والخال
انخها بوادي الفقع من جانب الحمى ... ولا تخش ان لام العذول أو الخال
عهاد لها مني عهود حفظتها ... وود وإن طال المدى في الحشا خال
فلست بناس عهد من قطنوا بها ... الى أن يواري جسمي الترب والخال
صبوت لمن فيها زمان صبوتي ... وللغيد يصبو الصب والمدنف الخال
أجرر أذيال الشبيبة يافعا ... كما جر ذيل التيه والنشوة الخال
وطرف شبابي جامح بي الى الهوى ... ولم يثنه عن قصده اللطم والخال
ولي بالحسان الغيد شغل وإنها ... لأشغل بي مني وإن صدها الخال
ومايسة زان الحلي جمالها ... وكم غادة قد زانها الحلي والخال
لها من فؤادي مربع أي مربع ... ومن غيرها قلبي هو الأقفر الخال
أجود وإن ضنت بوصل بمهجتي ... وإن بخلت يوما فإني الفتى الخال
تميت وتحيي إن دنت أو تباعدت ... دلالا ومن ألحاظها الباتر الخال
أتاح لها الواشون إني سلوتها ... وإني مما رجموني به خال
فبي كمد لو أن عشر عشيره ... أتيح لخال لم يطق حمله الخال
عراني الضنا حتى جفاني عودي ... ومل أخو ودي بقائي والخال(19)

ومن شعره ، ايضاً :
دَع الوطنَ المألوف وارحل لغيره ... وإن عَلِقَت بالقلب منك رُبوع
فما لك في دار الشقاق إقامةٌ ... ومالك في ربع النفاق رجوع
ولستَ إذا فارقتها عن ملالةٍ ... إلى غيرها تَعرى بها وتجوع
بَلَى سوف نحظى بالمعالي وصفوها ... إذا ما اغتربنا والخَمُول قَنوع
وكيف وللإقبال فيك تحرُكٌ ... وللفضل في غير الديار سطوع
وما أنت إلا العود في قَعر داره ... يضيع ولكن في سواه يضوع(20)

ومنه في مدح البحرين :
هي البحرين قنطرة المعالي ... ومعراج المحاسن والكمالِ
فلا تُلحِق بها أرضاً سواها ... فما ماءٌ زُلالٌ مثلُ آل
بلَغتُ بها الاماني باجتهادٍ ... وصلت بهِ إلى أوج المعالي
ونلتُ بها المحاسنَ والمزايا ... وغُصتُ على الفرائدِ واللآلي
فُنُوني في الكمالِ مُبَيَّناتٌ ... وفُقت السابقين من الرجالِ(21)

ومنه في مدح أهل البيت عليهم السلام :
نفسي بآل رسول الله هائمةٌ ... وليس إذ همت فيهم ذاك من سَرفِ
كم هام قومٌ بهم قبلي جهابذةٌ ... قَضِيَّة الدين لا ميلاً إلى صلف
لا غروَ هم أنجمُ العليا بلا جَدَل ... وهم عرانينُ بيت المجد والشَرفِ
شُمُّ المعاطِس من أولاد حيدرةٍ ... من البتول تجافوا وصمةَ الكلف
سبّاق غاياتِ أرباب السباق وهم ... جواهر القدس تزري لؤلؤ الصدف
بهم غرامي وفيهم فكرتي ولهم ... عزيمتي وعليهم في الهوى لهفي
فلستُ عن مدحهم دهري بمشتغلٍ ... ولستُ عن حُبَّهم عُمري بمنصرف
وفـيـهمُ ليَ آمالٌ أأمَّلها ... في الحشر إذ تُنشر الأعمال في الصحف(22)

ومنه :
من لي وقد عَفَّت الأيام آثاري ... وأستأصل الدهر خلصائي وأنصاري
صال الزمان على صحبي مجاهرةً ... فاغتالهم بمخاليب وأظفار
كانوا نجوم دآدي المشكلات وحُـ ... ـفَّاظ الشريعةِ والأعلامَ للباري
من كل قَرمٍ هٌمامٍ يُستجار به ... حامي الحقيقة ِ حرًّ وابن أحرار
زاكي النَّجار عزيز الجار مضطلعٍ ... بالفضل عار عن العوراءِ والعار
سقاهم الدهر كأس الإصطلام على ... عمدٍ فبانوا عن الأهلينَ والدار
وخلَّفونيَ في الألواء منغمساً ... خُلواً من الخِل والسُّمار والجار
تجهَّمتني أُناس ليس ينظمهم ... سلك المعالي ولا فازوا بمقداري
هذا العضال ، أأرضى بالقذى كُحُلاً؟ ... وبالأذى بَدَلاً عن مجدي الهاري؟
أسامُ ضيماً ولي في الفضل منزلةٌ ... قصوى وقد طَبَّق الآفاق أخباري؟
يَسُوسُني في العلى من ليس يعلم ما ... كنه المعالي وما صلَّى بمضمار
وما تناول ساقَ المكرمات عُلاً ... وما ترقَّى لآثارٍ وأسرار
وما ألم بمعنى المجد في زمنٍ ... ولم يذق واردات الواحد الباري
تلك الخفافيش قد غالت ذُكاء فلم ... يظهر سناها لمرتاد لأنوار(23)

ومنه قوله مضمناً :
لقد هجرَ الشباب وبان عنَّا ... على رَغمٍ ولازمنا المشيب
فبانَ ببين ذاك سرور نفسي ... وزاد بوصل ذا العجب العجيب
فلي إن تسالي ليلٌ طويلٌ ... ويمٌ بعد فرقته عصيبُ
وقد ناديته أن عد سريعاً ... رعاك الله لكن لا يجيبُ
أقول وقد براني الشيب بري القداح وكظَّني الدهر المريب
(ألا ليت الشباب يعود يوماً ... فأخبره بما فعل المشيبُ)(24)


آثاره ومصنفاته :
ترك الشيخ الماحوزي لنا تراثاً ضخماً من الكتب والمؤلفات تزيد على 120 مصنفاً بين كتاب ورسالة في مختلف الفنون والعلوم ، ولا يتسع المجال هنا لاستقصائها ، ولكن نذكر طرفاً منها مصنفةً حسب المواضيع :

أولاً- كتب العقائد :
1-هداية القاصدين الى أصول الدين.
 توجد نسخة منه بخط المؤلف ضمن مجموعة من رسائله في بعض مكتبات النجف.
2-إفهام الأفهام في عقائد دين الإسلام.
3-غاية الطالب في اثبات الوصية لعلي بن أبي طالب عليه السلام.
4-رسالة في شرح كلمة لا اله الا الله.
5-رسالة في عدم جواز السهو على النبي ، كتبها جوباً لسؤال الشيخ ناصر الجارودي الخطي.
توجد منها نسخة بخط تلميذه الشيخ أحمد بن إبراهيم البحراني تاريخ كتابتها 1119هـ.
ثانياً- كتب أصول الفقه :
1-العشرة الكاملة في الاجتهاد والتقليد.
2-كشف القناع عن حقيقة الاجماع.
3-رسالة في تقليد الميت.
ثالثاً- كتب الفقه :
1- رسالة في واجبات الصلاة وما لابد منه.
2- رسالة في وجوب صلاة الجمعة.
3- ناظمة الشتات فيما يستحب تأخيره عن أوائل الأوقات.
4- إيضاح الغوامض في شرح رسالة الفرائض.
5-الفوائد النجفية.
6-رسالة في مناسك الحج ، مختصرة ألفها بإلتماس من السيد أحمد بن عبد الرؤوف البحراني.
7- السر المكتوم في حكم تعلم النجوم.
رابعاً- كتب الرجال وتراجم العلماء :
1- بلغة المحدثين في الرجال.
2- معراج أهل الكمال الى معرفة أحوال الرجال.
3- فهرست علماء البحرين.
4- السلافة البهية في الترجمة الميثمية ، في ترجمة الشيخ ميثم بن علي البحراني.
5- التعليقة على خلاصة الأقوال للعلامة الحلي.
خامساً- كتب علم الكلام والفلسفة والعلوم العقلية :
1-الاشارات في الكلام.
2-الشافي في الحكمة النظرية.
3-الرسالة المنطقية وشرحها.
4-رسالة في وجود الكلي الطبيعي.
5-ارجوزة في علم الكلام.
6-رسالة في علم المناظرة.
7-فحائل الإعجاز في التعمية والألغاز.
سادساً - كتب النحو والصرف :
1-الرسالة النحوية.
2-النكت السنية في المسائل المازنية في النحو.
3-رسالة في إعراب تبارك الله أحسن الخالقين.
سابعاً - كتب الأدب :
1-أزهار الرياض في الأدب ، يجري مجرى الكشكول ، ثلاث مجلدات.
2-درة البحرين فى رثاء الحسين (عليه السلام) ، أدرجها في كتاب أزهار الرياض.
3-ديوان شعره ، جمعه تلميذه السيد على بن ابراهيم بن على بن ابى شبانة البحرانى بأمر منه.(25)



 (صورة مخطوطة "العشرة الكاملة" للشيخ الماحوزي بخط عبد الله بن أحمد بن إسماعيل البحراني)


وفاته :
كانت وفاته في سنة 1121هـ بقرية البلاد القديم وله من العمر نحو أربع وأربعين سنة وعشرة أشهر ، ونقل جثمانه إلى قرية الدونج من الماحوز ودفن في مقبرة ميثم بن المعلى.(26)

____________________
الهوامش :

(1) لؤلؤة البحرين ، صفحة 9 / أنوار البدرين ، صفحة 150.
(2) لؤلؤة البحرين ، صفحة 10.
(3) أنوار البدرين ، صفحة 149.
(4) لؤلؤة البحرين ، صفحة 10 ، نقلاً عن الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي.
(5) أنوار البدرين ، صفحة 139.
(6) أنوار البدرين ، صفحة 150.
(7) المزارات في البحرين ، للشيخ محمد باقر الناصري.
(8) تاريخ البحرين ، للشيخ محمد علي آل عصفور.
(9) مخطوطة الرسالة الحمدية للشيخ أحمد بن إبراهيم بن عصفور الدرازي البحراني ، ويوجد بها بعض الكلمات غير الواضحة فجعلتها بين قوسين.
(10) لؤلؤة البحرين ، صفحة 9.
(11) إجازة الشيخ حسن الدمستاني للشيخين عبد الحسين بن أحمد الإصبعي و علي نقي بن محمد الزير آبادي من كتاب إجازات الحديث للسيد جعفر الحسيني الأشكواري.
(12) لؤلؤة البحرين ، صفحة 9.
(13) الإجازة الكبيرة للسيد عبد الله بن نور الدين الجزائري ، صفحة 207.
(14) الفوائد الرجالية للوحيد البهبهاني ، صفحة 65.
(15) أنوار البدرين ، صفحة 150.
(16) فهرست آل بابويه وعلماء البحرين للشيخ سليمان الماحوزي ، تحقيق السيد أحمد الحسيني.
(17)(18) راجع ذكر شيوخه وتلاميذه في أنوار البدرين للبلادي ، لؤلؤة البحرين للشيخ يوسف البحراني ، الإجازة الكبيرة للشيخ صالح بن عبد الله السماهيجي ، أعيان الشيعة للاميني وغيرها.
(19) راجع الملحق الثاني من ديوان أبي البحر الخطي 2/383 ، تحقيق عدنان السيد محمد العوامي.
(20) المصدر السابق.
(21) كشكول الشيخ يوسف البحراني 3/745 ، والمصدر السابق.
(22) انوار البدرين ، صفحة 156.
(23) كشكول الشيخ يوسف البحراني ، 3/748.
(24) كشكول الشيخ يوسف البحراني ، 3/819.
(25) ذكر جانب كبير من مصنفات الشيخ الماحوزي في كتب الترجمة والفهارس ، مثل لؤلؤة البحرين للشيخ يوسف البحراني ص10 ، كتاب أنوار البدرين للبلادي ص158 ، والإجازة الكبرى للسماهيجي ، والذريعة للمحقق الطهراني والأعلام للزركلي وغيرها ، وقد ذكر الشيخ سليمان الماحوزي جانب من مصنفاته في آخر كتابه (فهرست علماء البحرين) فهرست مصنفاته ، وهي كالآتي :
(مصنفات الفقير الى الله سليمان بن عبد الله بن علي بن حسن بن أحمد يوسف بن عمار عمر الله سبحانه أيامه بالطاعات وعمر أوقاته بالقربات:
له كتب ، منها كتاب المعراج في الرجال خرج منه مجلد واحد باب الهمزة وباب الباء الموحدة وباب التاء المثناة من فوق، وكتاب شرح مفتاح الفلاح لم يتم بعد ، وكتاب أزهار الرياض خرج منه ثلاثة مجلدات ، وكتاب الفوائد النجفية وكتاب الاربعين حديث في الامامة وكتاب العشرة الكاملة وكتاب ايقاظ الغافلين في الوعظ وكتاب نفحة العبير في حكم البير ورسالة اقامة الدليل في نصرة الحسن بن أبي عقيل في عدم نجاسة الماء القليل ورسالة اعلام الهدى في مسألة البدا وكتاب سوط صوب الندا في مسألة البدا لم يتم ، ورسالة الاستخارات ورسالة القرعة ورسالة في وجوب غسل الجنابة وغيرها من الطهارات لغيرها ورسالة في الادناس ورسالة عدم جواز السهو على النبي صلى الله عليه وآله ورسالة فهرست آل بابويه وأحوالهم وكتاب ذخيرة يوم المحشر في فساد نسب عمر والرسالة الصلاتية ورسالة الحج الصغرى والرسالة الكبرى في مسائل الخلاف في الحج و الرسالة الصومية ، وكتاب الاشارات في علم الكلام ، وشرح الباب الحادي عشر في الكلام ، ورسالة وجوب الجمعة مليحة ، ورسالة وجوب غسل الجمعة ورسالة البير والبالوعة ورسالة في النحو وكتاب النكت البديعة في فرق الشيعة ورسالة في المنطق مع شرحها ، ورسالة الحمدية وبلغة المحدثين في علم الرجال ، ورسالة في مقدمة الواجب و مخايل الاعجاز في المعميات والالغاز ورسالة ناظمة الشتات ورسالة الدر النظيم في التوكل والرضا والتفويض والتسليم وحواشي الاثني عشرية للشيخ حسن ، وشرح رسالة الاثني عشرية للشيخ بهاء الدين ، وحواشي المعالم وحواشي الخلاصة وحواشي التلخيص في الرجال ، ورسالة في ادب البحث ورسالة أخرى في علم المناظرة ورسالة أسرار الصلاة وغيرها من الرسائل والحواشي).
(26) لؤلؤة البحرين صفحة 10 نقلاً عن الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي.