الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

الشيخ محمد بن المبارك بن صالح البحراني..نزيل بني جمرة (991هـ/1583م)


هو الشيخ محمد بن المبارك بن صالح بن محمد البحراني ، نزيل (بني جمرة) من قرى البحرين. فقيه وعالم فاضل ،كتب بخطه نسخة من كتاب (مسالك الأفهام) في الفقه الإمامي للشهيد الثاني ، أتم كتابتها نهار يوم الاثنين الحادي عشر من ذي الحجة سنة 991هـ.

وكتب على حواشي تلك النسخة تصحيحات وتعليقات وشروح عديدة بخطه ، تدل على معرفته القوية بعلوم الفقه الحديث واللغة. وله في بعض تلك التعليقات اعتراضات شديدة على المصنف ، وهو أمر غريب وفيه جرأت كبيرة منه ، إذ أن المصنف وهو الشيخ زين الدين بن علي العاملي المعروف بالشهيد الثاني يعد أحد أبرز فقهاء الشيعة على الإطلاق وممن انتهت إليهم رئاسة الشيعة في زمنه وله عندهم من جلالة القدر وعظيم المنزلة ما هو معروف. وليس من المتصور أن يعترض عالم صغير أو طالب علم مغمور على مثل الشهيد الثاني بهذه الاعتراضات الشديدة التي قد يصل بعضها إلى حد التشنيع.وهو ما يدل على أن الشيخ محمد بن المبارك –المُتَرجَم- كان من الفقهاء الكبار في وقته ، وله من الإحاطة بقواعد الفقه وفروعه ما يؤهله لأن يناقش الشهيد في آرائه ويصحح له ويعترض عليه.

وعلى الرغم من ذلك فإن الشيخ محمد بن المبارك يعد كحال كثير من أعلام البحرين من الشخصيات التي أهملها المؤرخون والمترجمون فلم يصلنا الكثير عن حياته وآثاره ، إلا أن في تعليقاته وتصحيحاته التي كتبها على نسخته من كتاب (مسالك الأفهام) ما يمكن أن يكشف لنا عن جانب من مستواه العلمي وشخصيته وأسلوبه.



وهذه التعليقات غالباً ما كان يبدؤها بعبارات مثل (قال محمد بن المبارك) أو (قال محمد كاتب هذه المسودة) ونحوها ، الأمر الذي يسهل تمييز تعليقاته عن تعليقات غيره من متملكي النسخة. ويمكن تقسيم هذه التعليقات إلى ثلاثة أقسام : تعليقات فقهية ، وتعليقات أو تصحيحات ترتبط بالبيان والبلاغة ، وتعليقات حول علم الحديث والرجال ، إضافة إلى تعليقات أخرى متفرقة. ونذكر هنا نماذج من هذه التعليقات ، نبدأها بنص المصنف أولاً ثم نتبعه بالتعليق :

أولا- التعليقات الفقهية :

1- النص :
(واعلم أن تعبير المصنف بالرجلين والرجل والمرأتين والأربع نساء وقع على سبيل المثال. وليس بجيد. ولو عبر بالأخوين أو الذكرين والأختين أو الأنثيين كان أجود، ليشمل الصغير منهما والكبير، للإجماع على عدم اشتراط الرجولية وما في معناها).
التعليق :
(قال محمد بن المبارك : ولعله عبر بذلك لأنه أصرح لتخرج الخنثى المشكل ، إذ قد تشملها الذكورة والأنوثة).

2- النص :
(وقال المرتضى وتبعه جماعة منهم معين الدين المصري وابن إدريس : أن أولاد الأولاد يقتسمون تقاسم الأولاد من غير اعتبار من تقربوا به ، حتى لو خلف بنت ابن وابن بنت فللذكر الثلثان وللأنثى الثلث، ولو كان مع ابن البنت أحد الأبوين أو هما فكما لو كانا مع الابن للصلب، ولو كانا مع بنت الابن فكما لو كانا مع البنت).
التعليق :
(قال محمد : هذا غلط فاحش لأن الأبوين لا يكونان للصلب وإنما هو مع الأبوين ابن الابن للصلب ، وفيه أيضاً خلل بحسب آخر البحث).

3- النص :
(إحصان المقذوف شرط في وجوب الحد على قاذفه، قال تعالى: (والذين يرمون المحصنات) الآية. والمراد به هنا الجمع لأمور أربعة: التكليف، وهو يعتمد البلوغ والعقل، والحرية، والإسلام، والعفة عن الزنا).
التعليق :
(قال محمد كاتب هذه المسودة : هي خمسة ولكن الشارح جعلها أربعة ، كأنه جعل البلوغ والعقل واحداً ، كقوله "من بلغ عاقلاً" إذ الغير رشيد بحكم الصبي).

4-النص :
(قوله صلى الله عليه وآله: ما عدل وال اتجر في رعيته أبدا. ولأنه قد يحابى بسبب القضاء فيميل قلبه إلى من حاباه إذا وقعت بينه وبين غيره حكومة. وربما خاف خصم من عامله من ميل القاضي عليه ، فيمتنع من رفعه. وسبيله فيما يحتاج إليه من بيع وشراء أن يوكل من لا يعرف أنه وكيله لئلا يحابى وكيله أيضا لأجله ، فإذا عرف شخص بوكالته أبدله بآخر ، فإن لم يجد من يوكله عقد بنفسه للضرورة).
التعليق :
(قال محمد كاتب هذه المسودة : على هذا التعليل إذاً ينبغي له أن يترك جميع المستحبات كإجابة من دعاه إلى طعام من المؤمنين وغير ذلك ، بل يحتمل أن تكون الصلة غير ذلك ، وهو أن لا يقبل شهادة من قد شهد له ، وهو (فطنة) تهمتة أن يقبله له ولا يقبل ولائمه).

5- النص :
(ويناسب حمل أدلة المنع على شهادته على مولاه مشابهته للولد في عدم قبول شهادته على والده، لاشتراكهما في وجوب الطاعة وتحريم العصيان والعقوق. وفيه نظر، لان حمل أخبار المنع على ذلك غير متعين، لما ذكرناه سابقا، ولما سيأتي من الاخبار الدالة على المنع من شهادته على غيره من الاحرار، فيمكن حملها عليه. وتشبيهه بالولد ممنوع).
التعليق :
(قال محمد كاتب هذه المسودة : بل العلة في الولد حاصلة في العبد ، وهو الغضاضة بإقامة الشهادة إذا بارزه بها تلقاء وجهه ، ويتطرق عليها ضرر عظيم...).

6- النص : (حول إقرار الزاني على نفسه بالزنا)
(ولو قال: زنيت بفلانة، لم يثبت الزنا في طرفه، حتى يكرره أربعا. وهل يثبت القذف للمرأة؟ فيه تردد. العقوبة بدون ما وقع الاتفاق عليه. ولان هذا الاختلاف مع ورود الواقعة كذلك شبهة يدرأ بها الحد. وأطلق الاكثر...ثبوته بالاقرار أربعا، لأصالة عدم اشتراط التعدد...والأقوى عدم الاشتراط، لعدم دليل يقتضيه).
التعليق :
(قال محمد كاتب هذه المسودة : فعلى هذا الأختيار لو قال "أني زنيت زنيت زنيت زنيت" ولاءً ثبت الحد ، وفيه ما فيه لكونه منافياً لتعريض الحاكم ، وكونه أيضاً مبنياً على التخفيف).

ثانياً-التعليقات المرتبطة بالبلاغة والبيان :

1- النص :
(وكذا لو خلف ابن أخيه لأبيه وأمه وابن أخيه لامه، أو خلف أخا وأختا لأبويه مع جد أو جدة، المال بينهم أثلاثا، وسقط اعتبار نسب الأب. لها، وقد تضمن إقراره شيئا على نفسه وشيئا لها، فيصح الأول دون الثاني).
التعليق :
(قال محمد كاتب هذه المسودة : سبحان الله ما بين الفصيح والسخيف إلا ما بين الحاجب إلى العين ، لو قال "شيئاً على نفسه وشيئاً على غيره" لكان انظم وأفصح وأشمل...).

2- النص :
(من شرط قبول الشهادة إسلام الشاهد، وهو بالنسبة إلى غير الذمي موضع وفاق، وكذلك فيه في غير الوصية).
التعليق :
(قال محمد : لو قال "فيما عدا الوصية" لكان أحكم وأكمل وأشمل وأضبط للقيد).

3-النص :
 (هذا كله إذا لم يعينوا الزاني، ومع تعيينه فالحكم فيه كالمرأة، لاشتراكهما في المقتضي).
التعليق :
(قال محمد : قوله "هذا كله..الخ" ، ليس من الفصاحة ، لأنه لا يقال "هذا كله" و"هذا إذا" وما أشبهه ، إلا إذا كان الحكم الآتي مخالفاً ، وكان يكفي قوله (وحكا..) بها حكمها في وجوب الحد وعدمه).

4- النص :
(وجوب الحد حيث يثبت موجبه فوري، ومن ثم لم تجز فيه الكفالة، لأدائها إلى تأخيره، وهو غير جائز مع إمكان تعجيله. واحترز بالإمكان والأمن عن حد المريض والحبلى ونحوهما، فإنه يؤخر إلى أن يبرأ حيث لا تقتضي المصلحة تعجيله محققا كما سبق).
التعليق :
(قال محمد كاتب هذه المسودة : بين الفصيح والهجين أقرب من الحاجب إلى العين ، لو قال "كالهارب ومثله فإنه يؤخر إلى حيث يتمكن منه" كان أشمل وليندرج فيه ما عداه).

5- النص :
(ولعل هذا الاحتمال يندفع، بأنه لو كان واقعا، لدفع به عن نفسه. أما لو ادعاه، فلا حد).
التعليق :
(قال محمد : لو قال "إذ لو ادعاه...الخ" كان أسبك للعبارة ، وألطف للسمع).

ثالثاً-التعليقات المرتبطة بعلم الحديث والرجال :

1- النص :
(وهذا كله مبني على ثبوت الخبر الوارد بذلك، بل تواتره، لان غير المتواتر لا يوجب الحجة عنده، ونحن ومن قبلنا لم يمكنا إثباته بسند معتمد، فضلا عن كونه متواترا. واعتذر له في المختلف بجواز كونه متواترا في زمانه ثم انقطع. ولا يخفى ما فيه من التكلف وظهور المنع).
التعليق :
(قال محمد : نعم هو ظاهر التكلف ، لأن التواتر لا ينقطع حتى (القيمة) ومن ذلك سمي تواتر ، كخبر شجاعة علي...).

2- النص :
(ورواية البزنطي عن الباقر عليه السلام: "في رجل قتل رجلا عمدا ثم فر ولم يقدر عليه حتى مات، قال: إن كان له مال أخذ منه وإلا أخذ من الأقرب فالأقرب").
التعليق :
(قال محمد : إن كان أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، فهو الراوي عن الرضا ، لا عن الباقر).


............................................
(الهوامش)
1-كتاب مسالك الأفهام في شرح كتاب شرائع الإسلام للشهيد الثاني، هو شرح على كتاب شرائع الإسلام للمحقق الحلي. راجع الذريعة 6/199.
2- هو الشيخ زين الدين بن علي بن أحمد بن محمد الجبعي العاملي الشامي ، الشهير بالشهيد الثاني. من أبرز فقهاء الشيعة الإمامية في القرن العاشر الهجري وأحد من أنتهت إليهم رئاسة الإمامية في زمنه. وله مصنفات عديدة في الفقه وغيره. قتل سنة 966 في القسطنطينة لأجل تشيعة ولمقتله قصة مذكورة في المصادر. راجع أمل الآمل للحر العاملي صفحة 90.
3-وصف نفسه في آخر النسخة بقوله :
(وكتب هذه المسودة فرغاً أقل من أقتفى أثر الإسلام بالدليل القطعي ، عبده الأصغر عملاً ، الأكبر جرماً وزللاً ، محمد بن المبارك بن صالح بن محمد البحراني ، نزيل بني جمرة. نهار اليوم المذكور في كلام المصنف عصره حادي عشر أوسط أشهر الحج لسنة إحدى وتسعين وتسعماية ، غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات إنه قدير غفور ، آمين آمين آمين).

الاثنين، 4 نوفمبر 2013

[وثيقة] الربان العربي (أحمد بن ماجد) يصف البحرين..قبل نحو 540 سنة


وصف جزيرة البحرين (أوال) كما جاء عند الربان العربي أحمد بن ماجد (906هـ/1500م) في كتاب (الفوائد في علم البحر والقواعد) المؤلف سنة (895هـ/1489).
وهو الربان أحمد بن ماجد بن محمد بن أبي الركائب السعدي الجلفاري العماني ، أحد أشهر الملاحين العرب وأبرزهم في عصره ، ولد في مدينة جلفار لأسرة عريقة في علوم البحار حيث كان والده أحد الربابنة البارزين في زمنه وعليه تتلمذ ابن ماجد منذ صغره وأخذ عنه حتى برع في علوم الفلك والملاحة والجغرافيا ، وصقل هذه العلوم بالتجربة والممارسة فقد  كان يرافق والده في رحلاته البحرية منذ صغره وكان والده حريصاً على تلقينه كل علمه وخبرته ، فما أتم ابن ماجد العشرين حتى أتقن ذلك العلم وحصلت له الإحاطة التامة بالطرق الملاحية في الخليج العربي والبحر الأحمر والمحيط الهندي ونواحيها ، وألف في ذلك مصنفات ورسائل عديدة ، أصبحت مرجعاً في هذا الفن لمن جاءوا بعده لعقود طويلة.

وتكمن أهمية وصف ابن ماجد للبحرين في اطلاعه الواسع ومعرفته التامة بمواضع الخليج وبلداته وجزائره ، ولا شك أن ابن ماجد كان قد زار البحرين في رحلاته مرات عديدة ووقف على أحوالها بنفسه ، فإخباره عنها نابع عن معرفة وخبرة ولا عن سماع أو رواية.
ويشير ابن ماجد إلى أن البحرين في وقته كانت خاضعة لحكم الأمير أجود بن زامل الجبري العامري ملك الأحساء ، وكان قد أعطاه أياها مع القطيف السلطان سرغل بن نورشاه ملك هرمز مقابل مساعدته ضد أخيه الذي نازعه في الملك سنة 880 هـ ، وكانت البحرين والقطيف خاضعتين لمملكة هرمز قبل ذلك.


صورة الوثيقة :


نص الوثيقة :

(الجزيرة الثامنة :
وهي البحرين المتقدم ذكرها ، وتسمى أوال ، وفيها ثلاثمائة وستون قرية ، وفيها الماء الحالي من جملة جوانبها ، وأعجب ما فيها مكان يقال له القصاصير يغوص الإنسان في البحر المالح بالقربة ويملأها من الماء الحالي وهو غرقان في الماء المالح. قوله تعالى : (هذا عذب فرات سائغ شربه ، وهذا ملح أجاج) لأنه مختلط ، المالح من فوق والحالي من تحت وهو على ثلاث قامات رجال طوال أو ثلاثة أنواع المالح والحالي من تحت.
وحواليها معادن اللؤلؤ وعدة جزر كلها معادن اللؤلؤ ، يأوي عليها قريب ألف مركب ، وفيها جملة من قبائل من العرب ، وجملة من تجار ، وفيها جملة من النخيل المثمرات اللواتي تضرب الأوصاف ، والخيل والإبل والبقر والأغنام. 
وفيها عيون جارية ورمان وأترج و(ليم) ، وهي في غاية العماره. وهي في تاريخ الكتاب لأجود بن زامل بن حصين العامري ، أعطاه لها هي والقطيف السلطان سرغل بن نورشاه ، على ان يقوم بنصره على إخوته ، ويملكه جزيرة جَرُون هرموز المتقدم ذكرها ، وكتب بها عليه حجج ، واستثنى بعض بساتينها. ففعل له ذلك ، وملكه جرون ، وأخذ القطيف والبحرين في عام ثمانين وثمانمائة...).

السبت، 13 يوليو 2013

تقرير هولندي بتاريخ (1756م) يشير لحدوث هجرات ملحوظة بين أهل البحرين بسبب هجمات العتوب والهولة


في حدود النصف الأول من العام 1756م حُرر تقرير هولندي يرجح أنه يعود إلى المقيم السياسي الهولندي في الخليج (تيد وفون كنيبهازن) ، موجهاً إلى (جاكوب موسيل) الحاكم العام للهند الهولندية ومدير شركة الهند الشرقية الهولندية. وهو تقرير طويل ومفصل وغني بالمعلومات التاريخية والوصف الدقيق لسواحل الخليج وأهم الأحداث والوقائع التاريخية التي جرت عليه ، ويصف بدقة سكان الخليج وطبائعهم وعاداتهم ومعتقداتهم وغير ذلك من التفاصيل المهمة.

ويشير هذا التقرير أثناء حديثه عن مدينة (بوشهر) إلى أن حاكمها الشيخ ناصر آل مذكور كان يطمح إلى الاستيلاء على جزيرة البحرين –والتي كان تحت حكم آل حرم- وضمها لملكه ، واستطاع إقناع عشيرة (العتوب) الساكنة بالقرين (الكويت حالياً) بمساعدته في هذا المشروع ، وذلك مقابل السماح لهم بالغوص في مغاصات اللؤلؤ دون دفع أي من الضرائب المعتادة. وبعد عقد هذا التحالف توجه الشيخ ناصر المذكور لحصار البحرين ، إلا أنه واجهة مصاعب عديدة بسبب تلقي (آل حرم) للدعم من قبل بعض زعماء الهولة بالمقاتلين والرجال ، فمني بخسائر كبيرة وتعذر عليه تحقيق هدفه. فعمل عند ذلك على استمالة زعيم (بندر طاهري) حليف (آل حرم) إلى جانبه وحظه على التخلي عن دعمه لـ(آل حرم) وذلك مقابل التعهد له بدفع 14000 روبية من واردات البحرين سنوياً. وتحقق له ذلك ، فأدرك (آل حرم) عندها ضعف موقفهم فاستسلموا وغادروا الجزيرة. ودخلت البحرين بذلك تحت حكم الشيخ ناصر آل مذكور.

ويشير التقرير إلى أن العتوب والهولة(1) بعد هذه الحادثة أصبحوا يغوصون في أرصفة اللؤلؤ في البحرين طوال أربعة أشهر دون دفع أية ضرائب ، وكانوا ينزلون بشكل يومي إلى سواحل الجزيرة ويعتدون على أهلها ويشنون الغارات والهجمات على القرى القريبة من الساحل فيقطعون النخيل ويخربون المزارع ، فلا يتمكن أصحابها من جني محصولها وبالتالي لا يستطيعون دفع الضرائب المفروضة عليهم ، فيضطرون إلى هجرة أراضيهم والهرب إلى المناطق القريبة كالقطيف أو البصرة أو غيرها. والشيخ ناصر المذكور عاجز عن إيقاف هذه الاعتداءات لأنها كانت تتم بمشاركة حلفائه العتوب والهولة ، ولم تكن عنده من القوة ما يكفي لإخافتهم أو ردعهم(2)

ويجدر بالذكر أن بعض المصادر الأخرى قد أشارت إلى حادثة قريبة من الواردة في التقرير ، حيث يذكر (ب.ج.سلوت) في كتابه (عرب الخليج) أثناء ذكره لمدينة القطيف :
(وفي أوائل القرن السابع عشر قامت هجرة كبيرة من البحرين إلى القطيف ، ويعطي كنيبهاوزن بعض التفاصيل عن المدينة الكبيرة المبنية بالحجارة ، ويصف كيف أن تجار البحرين وهم أساساً من الشيعة قد تركوا الجزيرة خلال الإضطرابات التي حصلت إلى القطيف)(2).
ولكن من المرجح أن الحادثة التي يتحدث عنها (سلوت) سابقة على الحادثة الواردة في التقرير الهولندي ، وحدثت لأسباب مختلفة ، وأظن أن هذه الحادثة هي التي يصفها التقرير الهولندي بـ(انحطاط البحرين).

وثيقة التقرير الهولندي :


نص الوثيقة :

(من ناحية أخرى ، يظل غواصو اللؤلؤ من عشيرة العتوب والحولة أربعة أشهر يغوصون على مرأى من جزيرة البحرين ، وينزلون يومياً إلى ساحلها ، ويقطعون أشجار نخيل التمر ، ويخربون الحدائق القريبة من الشاطئ ، فلا يجني أصحابها شيئاً منها ، فلا يستطيعون دفع ضرائبهم. بالتالي يهجرون أراضيهم ، يهربون إلى القطيف أو البصرة أو أي مكان آخر بينهما. ولا يستطيع الشيخ ناصر المذكور إيقاف هذه الغارات ، التي يشترك ببعضها حلفاؤه ، وببعضها الحولة الذين ينبغي عليه احترامهم. وليس لديه في البحرين قوة أو سفينة تخيف هؤلاء القوم)(4).

...................................................
(الهوامش) :
(1) يجب الإشارة إلى أن مصطلح (الهولة أو الحولة) الوارد في هذا التقرير يختلف عن المعنى الشائع اليوم في البحرين والخليج والذي أتسع كثيراً ليشمل كثيراً من العجم السنة أو غير العرب ، فمصطلح (الهولة) في الأساس كان يطلق على مجموعة محددة من العشائر العربية التي تسكن الساحل الشرقي للخليج دون غيرها ، حيث يشمل كل من (القواسم ، المرازيق ، آل علي ، بنو بشر ، بنو حماد ، بنو عبيدل ، آل حرم ، بنو مالك ، بنو تميم ، والمنصوري) ، فهذه العشائر هي المقصودة بـ (الهولة) في هذا التقرير دون غيرها ، وأما غيرهم من العشائر العربية المقيمة في الساحل الشرقي من الخليج –سوا من ذكرنا- مثل آل مذكور أو العتوب أو غيرهم ، فلا يعتبرون من الهولة. راجع مقال (عرب الهولة بين أحلام الجاهل وظلم المؤرخ) للدكتور جلال الهارون.
(2) راجع كتاب (سلطنة هرمز العربية) تأليف إبراهيم الخوري وأحمد التدمري . الجزء الثاني ، صفحة 222.
(3) كتاب عرب الخليج - ب.ج.سلوت ، صفحة 47.
(4) كتاب (سلطنة هرمز العربية) . الجزء الثاني ، صفحة 223.

الخميس، 16 مايو 2013

وثيقة عثمانية بتاريخ (981هـ/1573م) تشير إلى احتواء البحرين آنذاك على أكثر من 300 قرية


وثيقة من الأرشيف العثماني(1) تحتوي على رسالة مرسلة بتاريخ العاشر من شهر صفر سنة 981هـ من السلطان العثماني إلى الأمير العثماني على الإحساء يطلب منه فيها تزويده بمعلومات تفصيلية عن جزيرة البحرين -والتي كانت خاضعة للبرتغاليين - وعن كيفية فتحها وضمها إلى السلطنة العثمانية. وقد جاءت هذه الرسالة رداً على رسالة سابقة كان قد أرسلها قاضي الإحساء شرح فيها بعض أحوال البحرين وأشار إلى سهولة فتحها وضعف الحامية البرتغالية فيها.

وقد أشارت تلك الرسالة بشكل واضح إلى احتواء البحرين في ذلك الوقت على ما يزيد عن ثلاث مائة قرية عامرة ، وهو الذي يتوافق مع ما ذكره العديد من الرحالة والمؤرخين وكذلك ما كان شائعاً عند أهل البحرين من أن قراها كانت تزيد على الـ 360 قرية بعدد أيام السنة(2) ، إلا أن ما جرى عليها من الكوارث والحروب دمرت أكثر تلك القرى وشردت وأهلكت كثيراً من أهلها ، حتى لم يبق من قراها اليوم حتى ثلث ذلك العدد.

وينبغي أن ننوه إلى أن هذه الرسالة  تأتي ضمن فترة الصراع العثماني البرتغالي في المنطقة آنذاك ، فبعد سيطرة العثمانيين على كل من القطيف والإحساء توجهت أنظارهم إلى البحرين وكيفية فتحها وإجلاء البرتغاليين منها وإدخالها تحت السلطة العثمانية. وكانت هذه الخطوة مهمة بالنسبة للعثمانيين في سبيل الحد من النفوذ البرتغالي في الخليج وخطوة في سبيل القضاء على وجودهم بشكل نهائي من الخليج والمنطقة بشكل عام. ومصدر هذه الوثيقة هو كتاب (وثائق بحرية من قبودان السويس) للدكتور محمد محمود خليل.




نص الوثيقة :

(هذا حكم إلى أمير أمراء الحسا :
وصلت إلينا رسالة من قاضي الحساء ، يخبرنا في رسالته أن للبحرين أكثر من ثلاث مائة قرية ، ويكتب أحوال البحرين وسهولة فتحها ، ولكنكم ما كتبتم في رسالتكم كيف يمكن فتحها؟ وفي أي وقت يسهل؟ وكم عدة تلزم لفتحها؟ بأمركم أنه حين وصل إليكم حكمي تتبعوا الأحوال وأدعوا القاضي واسئلوا عنه هل هذه الأخبار صحيحة؟ وهل عساكر الجزيرة ضعيفة؟ وكيف يمكن فتحها؟ ، هل يجب إرسال العسكر من عندنا؟ إذا وجب في أي وقت أنسب وصولهم إليكم؟ بكم جندي يتيسر فتحها؟ كيف يجب الاستعداد لفتحها؟ كيف ماهية المسألة ومحصول الجزيرة؟ أكتبوا إلينا أجوبة هذه الأسئلة وسائر الأحوال المتعلقة بالجزيرة) انتهى. (3)



صورة الوثيقة العثمانية



-------------------------------------------
الهوامش :
(1)دفتر المهمة – الديوان الهمايوني : رقم 33 ص 43 حكم 92.
(2)قال الشيخ محمد علي العصفور في كتاب (تاريخ البحرين) المؤلف سنة 1901م :
(قال بعض مشايخنا : كان عدد قرى البحرين في الزمان السابق بعدد أيام السنة ، وبظلمهم ما بقي الآن سقوفها وفروشها ، فتلك بيوتهم خاوية علي عروشها)ا.هـ.
(3)وقع في ترجمة الوثيقة كثير من الأخطاء الواضحة ، ولكن فضلت إبقائها كما جاءت في المصدر.



الأربعاء، 2 يناير 2013

مختارات من رحلة بالجريف إلى البحرين (1862-1863م)


في عام 1862م قام الرحالة البريطاني ويليام جيفورد بالجريف (1826م-1888م) برحلة يعتقد أنها كانت ضمن مهمة تجسسية لإستكشاف وسط وشرقي الجزيرة العربية ، تلك المنطقة التي كانت تعتبر من المناطق المجهولة إلى حد بعيد بالنسبة للأوربيين. ويعد بالجريف من أهم الرحالة الأوربيين الذين زاروا الجزيرة العربية وكتبوا عنها ، حيث دون في رحلته ملاحظات ومعلومات مهمة عن تاريخ وطبيعة تلك المنطقة.


ولد ويليام جيفورد بالجريف (William Gifford Palgrave) في عام 1826م بمدينة (ويست مينستر) في انجلترا لأب وعالم مشهور هو المؤرخ الإنجليزي السير فرانسيس بالجريف. حصل على شهادته الجامعية من جامعة أكسفورد عام 1846م ، ثم التحق بعد تخرجه بالجيش البريطاني في الهند عام 1847م ، وفي الهند تحول من البروتستانتية إلى الكاثوليكية واستقال من الجيش وانظم إلى الجماعة اليسوعية ، ودرس علم اللاهوت في كلية رمانو في إيطاليا. وفي عام 1857م انتقل إلى لبنان لأهداف تبشيرية وهناك طور معرفته باللغة العربية حيث أجاد التحدث بها بطلاقة ، وبعد قيام الحرب الأهلية في لبنان عام 1860م غادر إلى بريطانيا وهناك أقنع رؤسائه بدعم مهمته إلى داخل الجزيرة العربية والتي كانت تعد في ذلك الوقت أرضاً مجهولة بالنسبة للعالم. ثم غادر من بريطانيا إلى فرنسا والتحق بالكلية الجزويتية بـ(نيس) . ويذكر أن بالجريف حظي في مهمته بدعم من الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث بعد أن أقنعه بأهميتها للمخططات الإستعمارية الفرنسية في أفريقيا والشرق الأوسط.

عاد بالجريف بعد ذلك إلى سوريا حيث انتحل شخصية طبيب سوري جوال يهدف لتقديم الخدمات الطبية والإجتماعية لسكان تلك المنطقة وذلك ليغطي على الهدف الحقيقي لمهمته ، واستأجر مساعداً سورياً اسماه (بركات). وبداء رحلته من عَمّان بالأردن ثم وصل إلى الجوف ثم إلى حائل وبريدة والرياض ، ثم قصد الأحساء والقطيف ومنها انتقل إلى البحرين ثم قطر وعُمان ، كما زار بعض نواحي الساحل الشرقي للخليج و(بر فارس) . في رحلة استغرقت عاماً كاملاً.


وفي عام 1865م قام بنشر كتابه عن هذه الرحلة في جزئين تحت عنوان (قصة عام من الرحلات عبر وسط الجزيرة العربية وشرقها 1862م-1863م) ، وأهدى هذا الكتاب إلى ذكرى الرحالة الألماني (كارستن نيبور) والذي كان قد زار الجزيرة العربية قبل بالجريف ، حيث قال عنه بالجريف في كتابه : (في تكريم الذكاء والشجاعة التي فتحت أبواب الجزيرة العربية لأوربا).



والذي يهمنا في هذا البحث هو زيارة بالجريف للبحرين ، وما نقله من مشاهدات وملاحظات مهمة عنها وعن الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية فيها ، وما قدمه من وصفٍ لسكانها ولبعض مدنها وقراها ونمط المباني والمساكن فيها ، وغير ذلك من المعلومات المهمة والتي تقدم لنا تصوراً عن أوضاع البحرين قبل ما يزيد على 150عاماً.

واخترت من كل ذلك النصوص التي وجدتها مهمة وتستحق الذكر ، بحيث تكون مختصراً أو منتخباً لأهم ما جاء عن البحرين في هذه الرحلة. والتزمت في الغالب بالترتيب الذي اتبعه المؤلف في كتابه بإستثناء بعض المواضع القليلة التي اقتضى الأمر فيها ذلك.


مختارات من رحلة بالجريف إلى البحرين :




1-آل خليفة "حكام البحرين" :

1-1-أسرة آل خليفة :

قال في 233/2 :
(وأسرة آل خليفة هي نفسها من أهل الأحساء ، وليست من الهفوف ذاتها ، وقد ظلت هذه العائلة طوال قرنين من الزمان على أقل تقدير (وأنا اعتقد أن الفترة أطول من ذلك ، ولكني لم أستطع العثور على بيان دقيق يحدد ذلك التاريخ القديم) ، تتمتع بالسيطرة على جزر البحرين ، حيناً بإسم حكام القطيف من القرامطة ، وحيناً آخر بدعم من السلطة الفارسية ، وحيناً ثالثاً باعتبارها تابعاً لعُمان . ولكن بغض النظر عن تبعية آل خليفة الإسمية ، فإنهم كانوا يحكمون البحرين نفسها حكماً يكاد يكون مطلقاً ، دون أن يتخلوا عن أراضيهم الجميلة وتراثهم الجميل في الأحساء وعلى ساحل القطيف).(1)

وقال في 233/2 :
(وعائلة آل خليفة بإستثناء بعض عادات الإسراف في الشراب والتي تعزى –برغم أن ذلك لا يمكن أن يكون عذراً أو مبرراً- إلى الثروة والسلطة ، عبارة عن مجموعة مقبولة من الرجال ، الذين لا تسيطر عليهم النزعات الدموية التي تسيطر على الرؤساء النجديين والوهابيين. وبناء على ذلك فإن آل خليفة تحولوا عقب أن وضعت الحرب أوزارها إلى أصدقاء من جديد ، ولم يحاول أحد منهم الإخلال بالترتيبات الجديدة التي تم التوصل إليها).

2-1-الصراع الذي جرى بين فروع آل خليفة على السلطة :

قال في 233/2 :
(وبعد حوالي عشر سنوات من الإضطراب الذي حدث بين آل خليفة نتيجة الصراع العائلي ، والذي قام خلاله ، فرع صغير من فروع العائلة ، ويتزعمه محمد الخليفة (الذي يشغل منصب حاكم البحرين حالياً) بطرد أقاربهم من الجزيرة ، بعد أن ظلوا فترة من الزمن يشغلون منصب الحاكم المناب ، وأجبروهم على الرحيل إلى الأرض الأم ، ليصبحوا فيها رعايا لفيصل مع بقية سكان الأحساء. ونشبت الحرب في أعقاب ذلك ، وتعقدت الأمور بسبب التدخل الإيراني ، والتدخل العماني ، وكذلك التدخل النجدي ، علاوة على الرسائل التي كانت تصل بين الحين والآخر من الحكومة التركية في بغداد ، إلى أن أمكن في النهاية تسوية الموقف عن طريق وضع دفة إدارة أمور البحرين بين يدي محمد الخليفة على شكل إقطاعي تابع للسلطان الثويني حاكم عُمان ، والتزامه بأن يدفع لنجد جزية سنوية مقابل الهدوء وراحة البال. وحصل أبناء عم محمد الخليفة المنهزمين على بعض الإمتيازات من الحكومة الوهابية التي ساندتهم في المعركة السابقة). (2)

3-1-الشيخ محمد بن خليفة حاكم البحرين :

قال في 250/2 :
(...زد على ذلك ، أن الطابع الشخصي للحاكم المناب الحالي محمد الخليفة يزيد في سوء الحال في البحرين. وهذا الحاكم من النوع السيباريسي ، الذي إن صح القول يتزوج بطريقة التجريب أي كل أسبوعين ؛ معنى ذلك أن كل أربعة عشر يوماً نشهد حالة طلاق تعقبها حالة زواج ، ومن الطبيعي أن يكون ذلك مصحوباُ بالبذخ والإنفاق والتبذيرتعويضاً للحب القديم وشراء للحب الجديد ؛ ناهيك عن الإعلان المشين عن هذه الأعمال : "إن لم يكن من حقنا أن نتزوج" ، والمعروف أن مثل هذه الأعمال تكفي لأن تجعل كلاً من روم ومالينا يحمر وجهيهما خجلاً). (3)

ثم قال في 250/2 :
(زد على ذلك ، أن محمد الخليفة يبدو عليه أنه لا يفكر مطلقاً في رفاه رعاياه ؛ وهو يشبه شارل الثاني تماماً ، فكلاهما كان مبذراً ومسرفاً وأحمق ، فقد بذل محمد الخليفة قصارى جهده للخضوع للخارج ، وراح يجبي الضرائب والإتاوات والكوث والغرامات التي كان يستعملها كلها في دعارته الخاصة والعامة وفي تدمير بلاده وإجبار رعاياه على الهجرة إلى خارج البلاد على غير رغبة منهم).

وقال في 271/2 اثناء كلامه عن قطر:
(ومحمد الخليفة له أيضاً شكل من أشكال السلطة والسيطرة أو الرئاسة في قطر ، ولكن ممارسة هذه السلطة تقتصر فقط على أن يختار من حين لآخر فتاة جميلة...يعقد عليها مدة أسبوعين أو شهر على أكثر تقدير ، ثم يطلقها ويمنحها معاشاً بعد ذلك. وبينما كنت في (البداع) قام محمد الخليفة المزواج بزيارة إلى مدينة الدوحة المجاورة ، وتزوج حورية من حوريات تلك المدينة ، ثم طلقها قبل عودتي من عُمان).


2- جزيرة المحرق :

قال في 237/2 :
(والمحرق هي أجمل المدينتين وهي التي تسر الأعين ؛ ومنازل المحرق البيضاء ، التي تبرزها أكواخ النخيل داكنة اللون (والسبب في ذلك أن اعتدال المناخ هو الذي يجعل هذا الأسلوب من أساليب السكنى أمراً شائعاً ، بل مطلوباً) ، وكذلك قصور آل خليفة الكبيرة المنخفضة ، والتي تشبه إلى حد بعيد أفضل أنواع الكبائن الموجودة في ملابار يوينت Malabar Point أو بيريش كاندي Breach-Candy...وكذلك القلعتان أو الثلاث القريبة من شاطئ البحر ، وكذلك البطارية الساحلية الطويلة ، التي تصلح للاستعراض من مسافات معينة ؛ كل هذه الأشياء مجتمعة ، تشكل طاقماً واحد يجدر به أن يكون رسماً تخطيطياً ، وإن لم يكن صورة...).
ثم قال :
(وترتفع على طول الخط الرملي المنخفض ، الذي يكمل الجزيرة مجموعات كثيرة منفصلة من الاكواخ المصنوعة من منتجات النخيل ، والتي بتخللها بين حين ولآخر ، منزل أبيض اللون ، أقيم وسط أشجار النخيل الطويلة ؛ والمنطقة كلها يخيم عليها الهدوء والسكون...).

وقال في 262/2 :
(وبصفة عامة ، فإن المحرق عبارة عن مدينة غريبة تستحق الزيارة ، برغم أنها ليس فيها واحد ذو أهمية تذكر. والمدينة عجيبة من منطلق مظهرها الغربي-الفارسي ، ومنازلها الصغيرة الأنيقة ، وسوقها المعبّد ، ورفوف العرض العالية التي تمتد بطول الجدران ، في كل مكان ، مما يوحي بالحياة والحيوية خارج المنازل ؛ زد على ذلك أن درجة الحشد في مدينة المحرق ، تختلف عن أسلوب الإنتشار المتبع في معظم البلدان العربية ، التي تجيئ قيمة الأرض فيها في آخر القائمة ، بمعنى أن الأرض في هذه البلدان هي مجرد متسع لأسلوب الإنتشار نفسه.
ومن حيث التجارة ، فإن المحرق تجيئ في المرتبة الثانية بعد المنامة ، وسوق المنامة أقل ازدحاماً ومساحة ؛ وعلى الجانب الآخر ، فإن المحرق هي أنظف وأجمل المدينتين).

وقال في 267/2 ، يصف ظاهرة العيون العذبة التي تنبع في وسط البحر أو ما يعرف بـ(الكواكب) (4):
(...وحملنا قارب خفيف إلى السفينة ، وبالقرب من السفينة شاهدنا تلك الظاهرة العجيبة غير الفريدة ، فقد شاهدنا نبع مياه عذبة يبنبثق من بين مياه مالحة. كان ذلك النبع يبعد حوالى ستين ياردة عن علامة الجذر، وشاهدنا نساء المحرق وهن تخضن وجرارهن على رؤسهن إلى أن تصلن إلى صخرة صغيرة ، أو إن شئت فقل العلامة الأرضية. (أو العلامة البحرية إن شئت) التي تدل على النبع ، الذي كان ينبثق من الأسفل بقوة كانت تطرد الماء المالح من جميع النواحي ، تاركة حولها دائرة كبيرة من المياه الصالحة للشرب. كانت النسوة تغمرن جرارهن فيها ، وتعدن محملات بذلك الذي يظنه المشاهد الجاهل مقداراً من الماء المالح ، الذي عادت به هذه النساء إلى أحد الحمامات المالحة على البر).


3- مدينة المنامة :

1-3-وصف عام لمدينة المنامة :

قال في 237/2 :
(ومع أن المنامة أكبر من المحرق ، إلا أن شكلها غير ملفت للأنظار ؛ والمنامة مركز للتجارة ، كما أنها مقر للحكومة أيضاً ؛ ومن هنا ليس في المنامة سوى عدد قليل من القصور ، إضافة إلى قلة المظاهر المعمارية الدفاعية فيها. وعلى كل حال ، يوجد بالقرب من الطرف الغربي من المنامة ، بناية كبيرة بيضاء مربعة الشكل ، موزع فيها بعض المدافع على شكل بطارية من أمام تلك البناية البيضاء ، توضح أن هذه البناية هي مقر إقامة علي الخليفة شقيق محمد (الخليفة) والذي يشغل منصب الحاكم المناب في المنامة.
ومدينة المنامة ذاتها لا يشرف منها على البحر إلا جزء صغير ؛ والسبب في ذلك أن النسق الأول من المنازل والمتاجر هو الذي يحجب بقية منازل المدينة عن رؤية البحر ؛ وبإستثناء القصر الذي يقيم فيه علي الخليفة لا توجد أية منازل أخرى مهمة بالقرب من حافة المياه.
والواقع أن منظر المنامة يوحي بالقذارة منذ الوهلة الأولى ؛ والسبب في ذلك أن البحارة والصيادين يشغلون ثلاثة أرباع الشاطئ ، علاوة على أن منازل هاؤلاء البحارة والصيادين تفتقر إلى المسحة الجمالية. زد على ذلك ، أن الشاطئ نفسه مكون في معظمه من الحصى القذر.
ومن حول مدينة المنامة ، وبخاصة من الناحية الغربية والجنوبية من المدينة ، توجد البيارات النباتية الكثيفة ، كما تتميز هذه المناطق أيضاً بالحياة النباتية شديدة الإخضرار التي توحي بخصوبة التربة ، وتحل محل البريق الخاص بمدينة المحرق ، في حين تشكل صواري قوارب صيد السمك الكثيرة هي والاطواق الصغيرة التي أمام المدينة شكلاً من أشكال الحسيكة ويغلب عليها اللون البني ، مما يزيد من دَكَانة Duskness منظر البحر).

وقال في 242/2 :
(المنامة ، شأنها شأن معظم المدن الساحلية ، طول شاطئها أكثر من عرضه ، برغم أنه يعد عريضاً نسبياً ، وعرض الشاطئ في اتجاه البحر يزيد على ميل وربع الميل ، في حين تمتد المنازل إلى حوالى ثلث الميل نحو الداخل. ويصل متوسط ارتفاع الأرض ، التي تقع عليها مدينة المنامة ، إلى حوالى اثني عشر قدماً ، بل أقل من ذلك ، فوق مستوى ارتفاع المد ؛ والساحل بعد ارتفاعه الطفيف عند الشاطئ نفسه ، ينحدر مرة ثانية نحو الداخل ، إلى أن توحي المياه المالحة التي تَنِزُّ هنا وهناك ، بأن الشاطئ ، شأنه شأن شاطئ هولنده ، لابد أن يكون في بعض أماكنه أكثر انخفاضاً عن البحر يحيط به).

2-3-وصف المنازل والمساكن والمباني فيها :

قال في 242/2 :
(والجزء الأكبر من المنازل عبارة عن أكواخ مصنوعة من جريد النخل ، كل منها له مُسَوَّره الخاص ؛ والوصف الذي قدمناه عن المنزل الذي نقيم فيه يصلح أن يكون وصفاً عاماً لجميع المنازل التي من هذا القبيل. وهذه الكبائن تختلف من حيث الحجم ، ويجري إنشاؤها على شكل شوارع وصفوف دون مراعاة للقوانين الهندسية.
ونصف المنازل التي من هذا القبيل يعيش فيها أبناء نيبتون الشرقي : الصيادون ، البحارة ، الربابنة ، وما إلى ذلك ؛ ومن ثم فنحن نشاهد عند كل جملون ، وعند كل ناحية خرقة طويلة ترفرف مربوطة على سارية على شكل علم بحري مثلث الشكل ، لتبين اتجاه الريح ، وبالتالي يتمكن السكان من تنظيم مهامهم ومهنهم.
وتختلط بهذه المنازل الحقيرة ، أو قد تنفصل عنها تلك المنازل المبنية من الآجر ، أو من الأحجار ، التي أنشئت بدون لف أو دوران ، طبقاً لما يمكن أن أطلق عليه اسم العمارة الفارسية ؛ وهذه المنازل تكون في أغلب الأحيان ، أنيقة وواسعة ، وتحتوي على أقواس قوطية ، وبالكونات ، وشرفات ، وأروقة معمدة ، ونوافذ لها شعريات شبكية ؛ وفي هذه المنازل يسكن الأعيان والأثرياء ، والتجار ، والمُلاّك ، والعاملون في الحكومة. ولكن نصف هذه المنازل آيل للسقوط ، كما أن التعقيدات الحالية في القناطر إضافة إلى النفايات ليست سوى دلائل وإشارات حزينة إلى التحلل الذي سوف أورد أسبابه ، حالاً ، فالسوق ، الذي لا يبعد كثيراً عن البحر ، والذي يشكل مكاناً في منتصف طول المدينة ، ليس سوى متاهة من حواري المحلات الضيقة ، بعضها مقنطر ، وبعضها محمي من أشعة الشمس بواسطة أسقف القش ؛ وفي وسط هذه المحلات توجد ساحة مربعة الشكل مسقوفة ، يقع فيها المقهى الرئيسي في المدينة ؛وهناك ما لا يقل عن عشرين مقهى آخر بالقرب من الشاطئ. وفي المنامة يوجد العديد من المساجد ، القليل منها لأهل السنة وغالبيتها لأتباع المذهب الشيعي.
وفي الطرف الجنوبي الغربي من المدينة ، وعلى شاطئ الخليج مباشرة ، يقع المنزل الفاخر الفخم الذي يقيم فيه علي الخليفة ، حاكم المنامة المباشر...).

أقول : ما اشار إليه من وصف المنزل الذي كان يقيم فيه ويصلح أن يكون وصفاً لتلك الأكواخ ، هو في 240/2 ، كالآتي :
(...إلى أن وصلنا إلى المنزل المقصود. ثم دخلنا من باب ضيق ، لنجد أنفسنا داخل مُسَوَر واسع كبير مصنوع من جريد النخل يصل ارتفاعه إلى حوالي ثمانية أقدام ، والجريد مثبت في الأرض جنباً إلى جنب ، ومجدول إلى بعضه بإحكام ؛ وكان بداخل المسوَّر كوخان طويلان مصنوعان من سعف النخيل ، وتفصل بينهما مسافة قصيرة ؛ وكان أحد هذين الكوخين لنا ، والآخر للبحار الذي سبقت الإشارة إليه ومعه أسرته. كان طول كوخنا يصل إلى ثلاثين قدماً وعرضه عشرة أقدام ، وكان سقفه من النوع المنحدر المصنوع من القش ؛ ومن الداخل كان هناك حاجز على شكل عائق يقسم الكوخ إلى كابينتين غير متساويتين ؛ خصصنا الصغيرة منهما لتكون مستودعاً ، والثانية للمعيشة. وكانت أرضية الكوخ مفروشة ، وهذا عرف عام هنا ، بطبقة كثيفة من الأصداف الصغيرة جداً ، تكاد تكون كلها من فصيل الأصداف اللولبية ، التي لا يتجاوز طول الصدفة الواحدة منها ثمن بوصة ؛ والصبية هم الذين يجلبون هذه الأصداف من الشاطئ باستعمال السلال ، لتكون بمثابة دواسات عند مداخل أبواب المنازل ؛ ومن فوق ارضية الكوخ كان هناك حصير كبير من القصب...).

3-3-وصف ميناء المنامة وأنواع السفن والمراكب فيه :

قال في 242/2 :
(ونستطيع أن نتبين هنا كثيراً من السفن التي لا تحصى ولا تعد ، والتي تتراوح بين السفن الكبيرة والسفن الصغيرة العربية الصنع ، كما نشاهد أيضاً مراكب القطر ، وتلك المراكب الشراعية الصغيرة وحيدة الصواري ، كما نشاهد مراكب السمَاك ، وهي أيضاً من المراكب وحيدة الصواري ، ونشاهد أيضاً قوارب صيد السمك ، وكل أنواع المركبات البحرية ، وبعض المراكب مسحوبة إلى البر ، وبعضها جانح في رمل البحر ، وبعض ثالث منها يطفو فوق مياه البحر العميقة).

4-3-وصف قلعة البحرين :

قال في 243/2 :
(وإلى الخلف من المدينة ، يوجد سهل واسع مستو تربته مالحة ، قفر دائماً تغطيه المستنقعات في أغلب الأحيان . وعند الطرف البعيد من هذا السهل ، تقع قلعة كبيرة مستديرة الشكل ، ربما تذكر أسوارها وأكتافها ودعائمها صبية يارموث Yarmouth بقلعة رومان بورو Roman Borough ، فيما عدا أن قلعة البحرين تعد أكثر أناقة إلى حد ما . ويبدوا أن هذه القلعة كانت تستعمل في الأزمان القديمة معقلاً واحداً دفاعياً ضمن خطة الدفاع عن المنامة ؛ والقلعة بالصورة التي هي عليها الآن ، مفككة ومهدمة في كل مكان . وقد سمعت كثيراً من الأساطير التي يرويها الناس عن هذه القلعة ولكني أرى أنها لا تستحق الإشارة إليها أو إيرادها في هذا الكتاب ؛ والموروث الوحيد الذي يستحق الإشارة إليه ، هو ذلك الذي يعزو بناء هذه القلعة إلى أمراء القرامطة خلال فترة إزدهارهم). (5)

5-3-وصف القرى المحيطة بالمنامة :

قال في 244/2 :
(...وتمر بذلك السهل مسارات كثيرة تتقاطع في إتجاهات مختلفة ، وتؤدي إلى القرى الصغيرة التي توجد خلف ذلك السهل ؛ وهذه القرى ليست سوى مجرد مجموعات من الأكواخ المصنوعة من القش ، ولكنها كثيفة السكان ، وتشبه إلى حد كبير الأكواخ الموجودة في كل من جزيرة سيلان وجفنبتام Jafnapatam ويطلقون عليها اسم "جنوز" Ganws. وبعيداً عن مدينة المنامة ، يرتفع الجبل الوحيد الذي ينقذ البحرين من أن يطلق عليها الناس إسم الضحل البحري المنخفض).

6-3-التركيبة المذهبية في مدينة المنامة :

قال في 245/2 :
(وإنها لحقيقة غريبة ، يصعب تفسيرها ، أن أهل السنة في المنامة ، وهم يشكلون سدس سكانها تقريباً ، ليسوا حنابلة ، مثل جيرانهم في الجزيرة العربية ، أو اللأحناف شأنهم شأن البلوش والأفغان عبر الخليج ؛ ولا شافعية ، مثل محمد في كل من البصرة وبغداد ؛ وإنما مالكية ، ذلك المذهب المنتشر في كل من مصر وشمالي افريقيا. ومع ذلك فليس هناك صلة دم بين تونس والبحرين. أما الأسداس الخمسة المتبقية من سكان المنامة فهم من الشيعة طبقاً للمذهب الإيراني).


4-سكان البحرين :

1-4-وصف سكان القرى :

قال في 244/2 :
(...يضاف إلى ذلك ، أن الخمسين أو الستين كفراً التي تنتشر داخل الجزيرة ليست لها اتصالات كثيرة بالسوق الرائجة التي في الشمال الغربي ، لذا نجد أن مظهر سكان هذه الكفور يوحي بالهمجية ، والذهنية غير المتحضرة ، التي تنتج عن الإنعزال. وسكان هذه الجزيرة وهذه الكفور معظمهم ، إن لم يكن جميعهم من الشيعة ، وتعتمل في داخلهم كراهيتهم الشديدة لأهل السنة والوهابيين ، ولا يجرؤ أي شخص نجدي على العيش أو الحياة وسط هؤلاء السكان.
والعمل بالزراعة وفلاحة الأرض ، يوفر لهؤلاء السكان كل ما يحتاجونه ، بل إنه يحقق لهم فائضاً يتجرون به في أسواق المنامة ، ولكن ليس لديهم ما يصدرونه إلى الأسواق البعيدة. وسكان هذه السواحل ، هم من صيادي السمك ، بطبيعة الحال ؛ وقد بلغني أن قلة قليلة من هاؤلاء السكان تعيش بالقرب من سفح الجبل الذي سبقت الإشارة إليه ، وتعمل بالقنص ، الذي يعد مصدراً هزيلاً في هذه البلاد).

2-4-وصف عام لسكان البحرين :

قال في 245/2 :
(والسكان الحضر ، الذين ينبغي أن ينصب كلامي عليهم بصفة أساسية ، وبغض النظر عن حقيقة أصلهم ، سواء أكانوا أنباطاً أم غير ذلك ، هم في الوقت الحالي عبارة عن عرق مولَّد تماماً ، ومع ذلك نجد أن لهذا العرق طابعاً عاماً ومميزاً . ولو قدر لي أن أقول ، عن هاؤلاء السكان انهم بين بين السلالة العربية والجوزيراتية Guzeratee ومظهرهم ينم عن البرود –الذي هو أمر طبيعي في تلك المخلوقات البحرية- الذي يتجلى في ملامحهم العامة التي توحي بالهدوء التام ؛ لو قدر لي أن أقول ذلك ، فإنني ربما أكون قد اقتربت من وصف هاؤلاء السكان وصفاً دقيقاً.
وهاؤلاء السكان ليسوا طوال القامة أو أقوياء الأطراف ، فضلاً عن انهم ليسوا بيضاً تماماً أو سمراً تماماً ، ولا  هم بالأصحاء تماماً أو المرضى كلية ؛ ومع ذلك فإن مظهر هاؤلاء السكان يدل على سرعة البديهة ، والرشاقة ، وحسن الطبع ، وقدر معلوم من الروح الطيبة مما يجعلنا نطلق على هؤلاء السكان من قبيل الإختصار اسم "العرق الصَّنَّاع" ، المحب للإزدهار ، الذي يصلح للسلام أكثر من الحرب ، وللتجارة أكثر من الزراعة ، وربما للبحر أكثر من البر).

3-4-عدد سكان البحرين :

قال في 244/2 :
(ويقدر إجمالي عدد سكان الجزيرة بحوالى سبعين ألف نسمة أو ما يقرب من ذلك ؛ ومع ذلك فإن هذا العدد آخذ في النقصان).


5-صيد الؤلؤ في البحرين وما يتعلق به :

قال في 248/2 :
(ويكثر وجود مصايد اللؤلؤ حول جزيرة البحرين نفسها ، مما يوفر عملاً لنصف سكان هذه الجزيرة على وجه التقريب . ويعد محمد الخليفة هنا محتكراً للؤلؤ ، فهو يحصل على ضريبة محددة من كل القوارب التي تبحر في مياه الخليج بحثاً عن اللؤلؤ ، إضافة إلى نسبة مئوية يجبيها على ما تصطاده هذه القوارب ؛ وكل من يحاول صيد الأصداف دون موافقة من الحكومة يعرّض نفسه للمحاكمة والمسائلة طبقاً للقانون ؛ وهذا بطبيعة الحال طبقاً لأهواء الحاكم النبيل.
وعدد قوارب صيد اللؤلؤ التي تجوب شواطئ البحرين بحثاً عن اللؤلؤ ، لا يمكن أن تقل ، بحال من الأحوال ، عن ألفى أو ألفى وخمسمائة قارب على وجه التقريب ، ومع ذلك ، فالناس لا يشكون من أن عدد الباحثين عن الؤلؤ يفوق عدد اللآلئ التي يصطادونها. وموسم صيد اللؤلؤ يبدأ في شهر إبريل ويستمر حتى شهر أكتوبر من كل عام ؛ والعبيد والزنوج هم الذين يستخدمون بصورة خاصة ، في عملية الغوص...).
ثم قال :
(وإذا كانت الطبقات الفقيرة تشتغل بأعمال الصيد ، فإن الطبقات الغنية عن بكرة أبيها ، تشتغل بالتجارة والإتجار ، سواء داخل حدود الجزيرة أو عن طريق التعامل مع الغرباء الذين يصلون إلى الجزيرة ، أو عن طريق الترحل إلى الشواطئ البحرية المحيطة بالجزيرة ، بدءاً من البصرة إلى بومباي ، ومن كراتشي أيضاً إلى زنجبار...).


6-الحرف والصناعات اليدوية :

قال في 248/2 :
(أما فيما يتعلق بالحرف اليدوية فإن البحرانيين ليس لهم مثيل في كل أنحاء الشرق –وبخاصة النساجين ، والعاملين في مجال المعادن ، والخشب ، والجلد ، والخياطين ، والصباغين ، أو إن شئت فقل الحرفيين بكل أنواعهم ، والذين يوجدون بكثرة في المنامة ، ويتفوقون ، إذ أنهم يصلون إلى مرتبة الإمتياز في المصنوعات اليدوية الشرقية (التي يتفوق فنها وذوقها تفوقاً كبيراً على الفن والذوق الأوربي) ، في العديد من الحرف).


7-الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية في البحرين :

1-7-الزراعة في البحرين :

قال في 249/2 :
(والزراعة ليست مهملة كلية داخل الجزيرة ، ولكن فقر التربة هو الذي يعد عائقاً كبيراً ؛ وباستثناء ثمار الحمضيات الضخمة (إذ لم أر في حياتي حمضيات بمثل هذه الأحجام في أي مكان آخر) ، فإن إنتاج الخضروات في البحرين ، برغم تنوعه بحكم العمالة ، يُعد دون المتوسط بشكل عام. وزيادة نسبة الرطوبة تساعد على النمو ، ولكن النوعية لا تتساوى مع الكمية ؛ ومن هنا فإن النخيل يكثر في كل أنحاء الجزيرة غير أن نوعية التمر سيئة جداً).

2-7-الثروة الحيوانية في البحرين :

قال في 249/2 :
(وإذا أردنا أن نضيف شيئاً عن الثروة الحيوانية فإنني أقول : إن الإبل جلبها أهل البحرين إلى بلادهم ، من ساحل الجزيرة العربية ؛ ولكن "هذه المخلوقات المسكينة تبدو عليها التعاسة والحزن" ، نظراً لأن تربة البحرين الرطبة ومناخها الرطب أيضاً لا يناسبان بنية هذه المخلوقات الجسمية التي تعتمد على الجفاف . والثيران والأبقار ليست نادرة في البحرين ، برغم أن أجسامها ، ضعيفة ، ولحومها من النوع الهزيل ، وهذا من واقع خبرتنا وتجربتنا لهذه اللحوم ؛ والظأن قليل في البحرين ؛ ولكن الحمير أفضل من ذلك بكثير ، وهذا هو حال كل مكان من الجزيرة).

3-7-الثروة السمكية في البحرين :

قال في 249/2 :
(ولكن السمك بكل أنواعه القشرية والجلدية والصدفية يملأ أماكن العرض في السوق : وأنا أشك أن هناك أية منطقة أخرى في العالم غير البحرين ، فيها مثل هذا القدر الوفير من الأسماك. من هنا ، يعد السمك الغذاء الرئيسي لسكان البحرين ؛ ومن ثم فإن الصوم الكبير ، الذي ورد ذكره عند بيبو Beppo ، يستمر على مدار العام في هذه الجزيرة).
ثم قال :
(وقد أكتشفت عن طريق الحساب الدقيق ، أنا وبركات ، أن متوسط سعر السمك في سوق المنامة يصل إلى حوالى واحد على عشرين ، ولا يزيد عن ذلك بأي حال من الأحوال ، من أسعار السمك على شواطئ سوريا ، أي في كل من بيروت وصيدا ، والموانئ المحيطة بها).
ثم قال :
(وخلاصة القول ، إن البحرين هي ابنة البحر ، كما أن البحر ، سيظل دوما بمثابة أمها الرؤوم ؛ والواقع أن السباع الطرية التي ورد ذكرها عند القديس مارك في البندقية هي التي تشكل المعيار الرئيسي لرفاه البحرين ومواردها).


9-هجرات أهل البحرين منها بسبب الأوضاع فيها :

قال في 250/2 :
(زد على ذلك ، أن محمد الخليفة يبدو عليه أنه لا يفكر مطلقاً في رفاه رعاياه ؛ وهو يشبه شارل الثاني تماماً ، فكلاهما كان مبذراً ومسرفاً وأحمق ، فقد بذل محمد الخليفة قصارى جهده للخضوع للخارج ، وراح يجبي الضرائب والإتاوات والكوث والغرامات التي كان يستعملها كلها في دعارته الخاصة والعامة وفي تدمير بلاده وإجبار رعاياه على الهجرة إلى خارج البلاد على غير رغبة منهم).

وقال في 251/2 ، عن هجرة أهل البحرين (بعد ذكره لإستبداد محمد الخليفة وانحلاله) :
(وفي الوقت ذاته ، كان السكان الوطنيون ، أو إن شئت فقل البحارنة ، قد نزحوا عن بلادهم ، ولا يزالون يفعلون يومياً ، بالعشرات بل بالمئات ، الأمر الذي أفاد الموانئ التي رحلوا إليها واستقروا فيها فائدة كبيرة وأضر ، في ذات الوقت ، بجزيرتهم. انتشروا في المنطقة من البصرة إلى مسقط على شاطئ الخليج الفارسي (بإستثناء بر فارس ، الذي كان ينتشر فيه المذهب الوهابي) ، التي يسكنها بصفة أساسية أناس من البحرين ، وتجار من البحرين ، ورعاة محلات ودكاكين من البحرين ، وحرفيون وصيادون من البحرين ، وعمال المياومة ، واناس آخرون كثيرون.
في حين قام مائتان أو ثلاثمائة من البحارنة خلال السنوات القليلة الماضية بتحويل جزيرة الجعر Ge's ، التي لم تكن مأهولة بالسكان ، إلى واحدة من أهم المناطق التجارية في هذه البحار. غير أن هذه الجزيرة تتبع الحكم العماني). (6)
ثم قال :
(وقد اكسب السلوك الذي سبقت الإشارة إليه أحمد بن الخليفة عداءاً واحداً من رعاياه وعداءين من الوهابيين. ولكن نظرا لأن مواطني البحرين من النوع المسالم الذي يقدم التنازلات ، فإن تعبيرهم عن استيائهم يكون على شكل شكاوى من ناحية ، وعن طريق الإغتراب فقط).

وبهذا ننتهي من ذكر أهم ما ذكره بالجريف من الملاحظات والمشاهدات أثناء زيارته للبحرين. ولنتم هذا البحث بإدراج ما ذكره عن المهاجرين من أهل البحرين الذين التقى بهم أو شاهدهم في أثناء رحلته :

1-البحارنة في قطر :

1-1-في البداع :

قال في 275/2 :
(وسرعان ما قمت باستكشاف مدينة البداع كلها . وسوق مدينة البداع من النوع الطويل الضيق القذر ، ويمارس فيه بعض أصحاب المحلات البحرانيين Bahreyn ، والحرفيين البحرانيين أيضاً نشاطاتهم المالية والأعمالية على نطاق صغير...).

2-1-في الوكرة :

قال في 277/2 :
(ومدينة الوكرة مستقلة عن بقية المدن الأخرى فيما يتعلق بالحكم والشرطة. وبرعاية من رئيس الوكرة ، استطاع التجار البحرانيين الصغار والحرفيين البحرانيين أيضاً ، أن يمارسوا أعمالهم في هذه المدينة...).

2-البحارنة في جزيرة Ge's (قيس؟) :

قال في 251/2 :
(...في حين قام مائتان أو ثلاثمائة من البحارنة خلال السنوات القليلة الماضية بتحويل جزيرة الجعر Ge's ، التي لم تكن مأهولة بالسكان ، إلى واحدة من أهم المناطق التجارية في هذه البحار. غير أن هذه الجزيرة تتبع الحكم العماني).

وقال في 288/2 :
(قبيل الظهر ، كشفت لنا وميضة بيضاء جاءت من جهة الشمال ، عن جزيرة جعز Ge's المنخفضة الرملية ، التي أقام التجار البحرانيون فيها مستوطنة لأنفسهم ، ازدهرت لأنها تنعم بالحرية).

3-البحارنة في بندر لنجة :

قال في 337/2 :
(وثمة سبب آخر من أسباب ازدهار مدينة لينجا ازدهاراً حقيقياً ، يتمثل في ذلك التسامح الحكيم ، الذي حل ، طبقاً لمبادئ الإدارة العمانية ، محل التعصب وضيق الأفق الشعبي ، وجذب إلى مدينة لينجا كثيراً من السكان لا من البحرين وحدها وإنما من القطيف ومن الأحساء...).

وقال في 342/2 :
(...كان شقيقا دعيج يعيشان معه في هذا المنزل ؛ يضاف إلى ذلك أن عدداً كبيراً من البحارنة ، والعمانيين وما إلى ذلك كانوا يترددون على هذا المنزل ، ولكن الفرس لم يكونوا يترددون على هذا المنزل ، نظراً لأنهم يندر أن يخالطوا السكان العرب).

4-البحارنة في عُمان :

قال في 428/2 :
(والسكان السنة من أهل مسقط عن بكرة أبيها ، لا يزيد عددهم على عشر سكان هذا البلد...أما الفرس والبحارنة فهم يتمسكون بشعائرهم الشيعية ؛ غير أن "التقية"...تضفي على جزء كبير من هؤلاء الشيعة مظهر السنيين ؛ وهم في أغلب الأحيان يقفون إلى جانب البياضية من الناحية الشكلية على أقل تقدير).


فائدة أخيرة :

أورد المؤلف في آخر الكتاب جدولاً يتضمن بيانات مهمة عن أهم الموانئ في الخليج ، مثل عدد القرى وعدد السكان والقوة العسكرية في كل ميناء ، وهو كالآتي :

 
قال في 247/2 :
(والقاعدة العامة المتبعة في جميع المنافذ الجمركية المقامة على شاطئ البحر في المنطقة بين البحرين وصور – وهي بالتحديد ، في المنامة ، والمحرق ، والبداع ، ووكره ، ولينجا ، وبندرعباس ، وأبي ظبي ، ظبيع ، والشارقة ، وبقية الأكواخ التي من هذا القبيل ، والتي يصل عددها الإجمالي إلى حوالى ثلاثين ميناءً مهماً تمارس هذا النشاط فعلاً – تقضي بتحصيل ريال واحد ، أو ما يعادل خمس شلنات إنجليزية ، عن كل طرد كامل يجري إنزاله ، بغض النظر عن محتوياته ؛ ويتراوح وزن الطرد أو البالة بين ستين وسبعين رطلاً . وهذه الطريقة تمتاز بأنها تقلل من عدد العاملين في الدائرة الجمركية...).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
الهوامش :
(1) كان استيلاء آل خليفة على البحرين في عام 1197هـ ، أي أن مدة حكمهم عند زيارة بالجريف للبحرين كانت قد بلغت نحو 100 عام وليس كما توهم بأنها تزيد على القرنين ؛ والمشهور أن أصل أسرة آل خليفة يعود إلى (نجد) ثم ظعنوا منها إلى الكويت ثم إلى الزبارة في قطر قبل أن يستولوا أخيراً على البحرين في التاريخ المذكور (راجع التحفة النبهانية ص82). ومن هنا يتبين الوهم الذي وقع فيه المؤلف في كلامه السابق.
أما ذكر المؤلف للقرامطة فهو غريب جداً ، فدولة القرامطة انقرضت من البحرين في أواخر القرن الرابع الهجري ، فمتى حكم آل خليفة بإسمهم!!
(2) ذكر المؤرخ النبهاني هذا الصراع الذي حصل بين فروع آل خليفة على الحكم وأسبابه بالتفصيل. راجع التحفة النبهانية صفحة 107.
(3) هو محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة (1258-1284هـ/1842-1867م) استولى على الحكم بعد أن انقلب على عم أبيه عبد الله بن أحمد آل خليفة في عام (1258هـ/1842م) وذلك بعد معارك دامية انتهت بإنتصار محمد الخليفة على عمه وتوليه للحكم. راجع التحفة النبهانية 107 إلى 111.
(4) هي عبارة عن عيون ماء عذب تنبع في وسط ماء البحر المالح وتسمى بـ(الكواكب) ، وكانت منتشرة في البحر حول البحرين ، وكانت تعتبر ملاذاً للبحارة والغواصين للحصول على الماء العذب وكذلك السكان الذين يعيشون بالقرب منها. ويعتقد أن ظاهرة انتشار العيون العذبة في وسط الماء المالح من أسباب تسمية البحرين بإسمها. وهو الذي اشار اليه ابن المجاور في تاريخه.
(5) وتعرف هذه القلعة بقلعة البرتغاليين أو قلعة عجاج.
(6) ذكر المؤلف هذه الجزيرة بإسم جزيرة Ge's واختار المترجم أن يترجمها بـ(الجعر) أو (الجعز) ، واعتقد أن الجزيرة المقصودة هي جزيرة قيس المشهورة ، وهي إحدى جزيرة صغير من جزائر الساحل الشرقي للخليج.